IMLebanon

الخطوة الأولى نحو الشفافية

لقد أعادت حركة التظاهرات والاعتراضات الشعبية على طريقة إدارة الدولة اللبنانية الأملَ في تحقيق التغيير والإصلاح الحقيقي، الذي يطلبه كلّ مواطن يوَدّ العيشَ في وطنه ضامناً حقوقَه الأساسية. غير أنّ تشَعّبَ المطالب وغيابَ مطالب أساسية ومحدّدة يضغَط فيها المواطن اللبناني لتحقيقها، أضاع البوصَلة وأضعَفَ الحركات الاحتجاجية.

قد يكون شعار «الكلّ فاسد والكلّ حرامي» شعاراً بعيداً عن الواقعية، حيث يغيب الفاسد الحقيقي ولا يوضَع الإصبع على المشكلة الحقيقية، وبالتالي يضيع الفساد في دوّامةٍ لا نهايةَ لها.

إنّ الخطوة الأولى لاستئصال الفساد وإشراك المواطن في عملية المراقبة الفعلية للأداء الحكومي ولطريقة إدارة المال العام، هو المعرفة وإطلاع المواطن على كلّ التفاصيل، لا الاعتماد على التهَم التي يطلِقها عادةً الخصوم السياسيّون، والتي ليس لها أيّ منطلَق عِلمي، والتي يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة، فالمحاسبة الحقيقية يجب أن تنطلق من المعرفة الحقيقية.

ولن يحصلَ المواطن على حقّه في المعرفة وفي الإشراف على صرفِ المال العام، ما لم يتمّ إقرار قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات، والذي ما زال محتجَزاً داخل أدراج رئاسة الحكومة. وبالتالي فإنّ المطلب الأوّل للجميع يجب أن يكون بإقرار قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات، ليتسنّى للمواطن اللبناني الاطّلاع على كلّ تفاصيل صرفِ المال العام، والمعلومات الأخرى المتعلقة بالقوانين والقرارات الإدارية والمناقصات.

فمثَلاً الاطّلاع على شروط أيّ مناقصة يتمّ إعلانُها يجب أن تكون علنية ومنشورة على الإنترنت ليتمكّن أيّ مهتمّ من الاطّلاع عليها بسهولة وسرعة، ممّا يعطي الحقّ لكلّ مواطن بأن يتقدّم بها، ولضمان جدّية المتقدّمين، يمكن عندها فرض بدل ماليّ لمن يودّ التقدّم إلى المناقصة، لا فرض بدل مالي لمن يودّ الاطّلاع على شروط المناقصة.

إنّ مطلبَ الجميع اليوم هو توقيف السرقات والهدر وإساءة إدارة المال العام، ولكن مَن سيَضمن ذلك في ظلّ غياب اطّلاع المواطن على كيفية الصرف. إنّ نشرَ هذه الحسابات على الإنترنت لن يوقف السرقة نهائياً لكنّه سيَجعلها أصعب، وغيرَ مستباحة. وسيَجعل كلّ قَيّم على المال العام يدرك أنّ أعماله خاضعة للمراقبة والمساءَلة والمحاسبة.

إنّ هذا القانون، على رغم أنّه يحتاج أيضاً إلى مزيد من التطوير لنصلَ إلى الشفافية الكاملة، إلّا أنّه يستطيع أن يكون أداةً فاعلة في وقفِ التدهور الحاصل ووضع ضوابط أساسية للفوضى القائمة ولاستسهال السَرقة والهدر.

فمَن يطالب اليوم بوقف الفساد، هل يمتلك المعلومات الدقيقة عن الملفّات الكبيرة في البلد؟ عن القيمة الحقيقية لعقود النفايات مثَلاً؟ عن ملفّ الكهرباء والاعتمادات التي رصِدت له؟ عن القيمة الحقيقية لبناء الجسور والطرق التي يتقاضاها المتعهّد؟ عن كِلفة تعليم كلّ طِفل في المدارس الرسمية؟ عن المصاريف الدورية ووجهتِها لكلّ إدارة من الإدارات؟

إذا لم يَطّلِع المواطن على كلّ هذه التفاصيل تصبح المطالبات عامّة وغيرَ محدّدة وستضيع كالعادة في الزواريب السياسية. إنّ المطلبَ الأوّل اليوم هو إقرار هذا القانون وتفعيله ليتحوّل أداةً حقيقية في يد كلّ مواطن يسعى نحو الإصلاح الحقيقي.

لنستثمر اليوم الاحتجاجات الشعبية في تحقيق هذا المطلب، فهي فرصة تاريخية لكلّ من يوَدّ بناءَ مجتمع منتِج خالٍ مِن الهدر والفساد، يتطلّع إليه جميع المستثمرين حول العالم.