بعد 27 يوماً من غارات «السوخوي» الجوّية على مواقع المسلحين المعارضين للنظام السوري، من ريف اللاذقية الى إدلب فحماه وحلب، وبعد أكثر من شهر ونصف الشهر من الجسر الجوّي الذي أقامته القوات الروسية لتزويد الجيش السوري بالسلاح والذخيرة ودعمه بالمستشارين العسكريّين ماذا حصل ميدانياً، وماذا يمكن تسجيله من ملاحظات؟
أولاً: الإستخبارات الغربية تؤكد أنه لم يحدث أي تغيير استراتيجي على الأرض، على رغم كل القصف الجوّي، ومحاولات تقدّم القوات السورية مدعومة بمقاتلين إيرانيّين وعراقيّين ولبنانيّين.
وهذا ما دفع قادة روساً الى الامتعاض والغضب، وعلى سبيل المثال سجّلت مشادّة كلامية عبر أجهزة الإشارة التي تم اعتراضها، بين العميد جمال يونس رئيس اللجنة الأمنية في حماه وعميد روسي بسبب عدم قدرة قوّاته على التقدّم تحت غطاء الغارات الجوّية، فتمَّ نقل العميد يونس.
كذلك تتسرب معلومات أن كبار الضباط الإيرانيّين مستاؤون أيضاً، وأن أصواتهم العالية تُسمع في إدارة المعارك لاسلكياً من غرف العمليات المشتركة في اللاذقية.
ثانياً: ترى الإستخبارات الغربية أن المسلّحين حقّقوا مفاجآت ميدانية، وغيّروا قواعد اللعبة، وأن الأدلة عن انتصاراتهم تملأ مواقع التواصل الاجتماعي. فـ«لواء صقور الجبل» يبث فيديو يصوّر تدمير مدفع بصاروح «tow» في خربة الناقوس قرب اللاذقية، ومشاهد أخرى في المنصورة في حماه وفي حلب.
وتمكّن «صقور الغاب» الذين درّبتهم المخابرات المركزية الأميركية (CIA) من تدمير 23 دبابة في 24 ساعة في معركة حماه.
إلّا أن الأمور في شرق حلب تجري أفضل نسبياً للنظام مدعوماً بنحو ألفي مقاتل من القوات الإيرانية، حيث سقط جنرالان و12 آخرين من قوّات النخبة في 11 يوماً، ويعتقد مراقبون غربيون أن طهران تخفي العدد الحقيقي لخسائرها في الأرواح، ومن بينهم جنرالات وضباط أقل رتبة.
أما السر في هذه المفاجأة وتمكُّن المسلّحين المعارضين للنظام من التماسك، فيعود الى عوامل عدة أبرزها:
1- إسراع أجهزة مخابرات غربية وإقليمية الى مدّ المقاتلين بأسلحة متطوّرة وذخيرة إضافية، مع بدء الجسر الجوّي الروسي الى سوريا.
2- ظهور الصواريخ الحرارية المضادة للدبابات والآليات من نوع TOW واستعمالها بكثافة تزيد عشرة أضعاف عن المعارك السابقة، ما عطّل محاولات تقدّم قوّات النظام شمالاً حسب الخطة الروسية – الإيرانية – السورية المشتركة.
3-تحوُّل المجموعات المسلحة الى الهجوم المضاد بدلاً من الدفاع والإنكفاء في جبهات عدّة.
هذه النتائج العسكرية ألقت بثقلها على الحركة الدبلوماسية، ومن أبرز نتائجها:
1-لم تستطع موسكو أن تستثمر سريعاً تدخُّلها القويّ والحسّاس في النزاع السوري على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وتركيا في فيينا.
2- قرّر الأميركيون والسعوديّون في اجتماع الرياض قبل يومين، تقديم مزيد من الأسلحة المتطوّرة لفصائل «جيش الفتح» و«الجيش السوري الحر» و«الجبهة الجنوبية».
3- إتفق الأميركيون والسعوديون على إرجاء تزويد المعارضين السوريين بصواريخ متطورة أرض – جوّ لأن لا حاجة مُلحّة لذلك الآن، وتجنُّباً لرفع التحدّي والمواجهة المباشرة مع روسيا في هذه المرحلة، وإبقاء باب الدبلوماسية مفتوحاً للبحث عن حل سياسي، خصوصاً وأن الكرملين حدّد مهلة القتال بين ثلاثة وستة أشهر.
بوتين ليس ممّن يراهنون على حصان خاسر، وهو سيقرّر في وقت ما، الى أي مدى سيذهب في دعم النظام.