IMLebanon

العملية الإرهابية الأولى بعد التدخل الروسي الحرب تتمدّد أم توقيت إجرامي صرف؟

قد لا ينفصل التفجيران الكارثيان اللذان حصلا في برج البراجنة مساء الخميس عن تفسيرين يغلبان لدى المراقبين: التفسير الأول يركز على الموقع الذي استهدفه التفجيران أي برج البراجنة التي تشكل جزءاً من الضاحية الجنوبية بما قد يكون جزءاً متجدداً من الحرب القائمة في سوريا والتي يشارك فيها “حزب الله “مطوراً عملياته من المدن والقرى القريبة من الحدود مع لبنان الى مدن ابعد. وتالياً فان التفجيرين قد يشكلان فصلاً من فصول الحرب الدائرة والتي يشكل انخراط الحزب فيها جزءاً اساسياً منها وان تراجع العمليات المماثلة في المدة السابقة ليس لعدم وجود قرار بالمضي في هذه الحرب، بل لان من يقف وراء هذين التفجيرين أي تنظيم الدولة الاسلامية وفق تبنيه العلني لهما قد وجد ثغرة استطاع النفاذ منها الى الضاحية بعد اشهر من التشدد الأمني على مستوى مناطق وجود الحزب كما على مستوى لبنان من خلال الكشف مسبقاً على خلايا ارهابية عدة خلال الفترة السابقة. وتبعاً لذلك فان توقيت التفجيرين لا يكتسب أي اهمية تتصل بما قد يراه البعض ربطاً باستحقاقات معينة كانعقاد مؤتمر فيينا اليوم مثلاً للبحث في سبل ايجاد حل للحرب السورية أو سوى ذلك من المحطات انطلاقاً من ان العقل الاجرامي لا يربط العمل الذي يعتزمه الا باقتناص الفرصة لتنفيذه، وتالياً لا معنى لهذا التوقيت وفق هؤلاء اللهم باستثناء قدرة من يقف وراءهما على تحين الفرصة المناسبة لتنفيذ العملية الارهابية. اما التفسير الآخر فيرتبط بواقع ان لبنان شأنه شأن الدول المجاورة للدول الغارقة في الحروب والفوضى تصله تداعيات الحرب السورية. وتالياً فان التفجير الارهابي يمكن توقعه في أي لحظة وسبق لتونس على سبيل المثال ان واجهت خلال هذه السنة هجومين ارهابيين كان آخرهما في حزيران الماضي في مدينة سوسه السياحية وعزيت اسباب ذلك الى الفوضى المتفشية في ليبيا المجاورة. وهو الأمر الذي ينسحب بدوره على مصر التي عانت من هجمات ارهابية كان آخرها ما أصابها نتيجة تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء. ولبنان بدوره يدفع منذ بداية الحرب السورية ضريبة مرتفعة متعددة الأوجه.

الا ان ذلك لا ينفي دلالات مهمة لهذه العملية الارهابية المزدوجة من بينها انها العملية الأولى بعد التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية بذريعة محاربة تنظيم الدولة الاسلامية. والمفارقة في هذا الاطار انه فيما سخرت روسيا من عمليات غير ناجحة قام بها لمدة سنة وشهرين حتى الآن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في كل من العراق وسوريا، فان التنظيم توصل الى توجيه ضربتين بهذا المعنى للجهود الروسية من حيث انها لم تشكل رادعاً حقيقياً ولم تنجح في المهمة التي تقول انها أتت من أجلها. والعملية المزدوجة في برج البراجنة وبعد تفجير الطائرة الروسية التي انطلقت من شرم الشيخ انما تفيد بأن التنظيم لم يعد يقصر ردوده من ضمن الحدود السورية أو العراقية بل وسعها الى خارج حدود هذين البلدين الى مصر ولبنان وان كانت روسيا المستهدف الأساسي في تفجير الطائرة فيما لبنان و” حزب الله” تحديداً مستهدف في تفجير برج البراجنة. وهذا يعني ان التدخل الروسي لم يساهم في تغيير المعادلة التي يقول انه اتى من أجلها بل انه بدلاً من تقليص حجم تمدد تنظيم الدولة فانه يساهم في اتساع هذا التمدد.

ومن بين الدلالات التي لا يمكن تجاهلها ما يصب في خانة الحزب بالذات. فالمواطنون اللبنانيون الأبرياء الذين استهدفوا بالجريمة الاجرامية هم ناسه ومؤيدوه في الدرجة الأولى. وهذه ضربة قاسية له باعتبار ان الحرب لم تعد تقتصر على عناصره الذين يقاتلون في سوريا للاسباب التي يتحدث عنها الحزب بل تطاول المدنيين منهم أيضاً كما حصل قبل سنة ونصف تقريبا. وفي هذه النقطة تحديداً فان العودة الى استهداف المناطق المدنية اليوم هي غيرها قبل اشهر عدة باعتبار ان تطورات كثيرة حصلت وقد بات الحزب اكثر ثقة في الاعلان عن حماية لبنان وليس فقط حماية مناطقه بعد التسوية التي تم التوصل اليها في الزبداني والانتقال من المناطق الحدودية السورية المباشرة مع لبنان والتي تم تأمينها الى العمق السوري. كما سبق للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان اعتبر تطورات الأشهر الأخيرة في سوريا بمثابة خط بياني لانتصار محقق في حين يظهر التفجيران في برج البراجنة ان الحرب مد وجزر وان الأمور أصعب بكثير من الصورة التي يتم تقديمها بها. وقد لفت المراقبين ردود الفعل العفوية والمباشرة التي أبداها سكان المنطقة المستهدفة بعد التفجيرين الارهابيين. اذ ان غالبية هؤلاء هم من بادر الى الاعلان عن النية في الاستمرار في الطريق نفسها نسبة الى دعم الحزب في الدفاع عن مقام السيدة زينب في اشارة الى الصلة لما حصل في رأيهم ولو على نحو غير مباشر بانخراط الحزب في الحرب السورية.

وأياً تكن الدلالات الأخرى التي يمكن ان تظهر فان التفجيرين الأخيرين يتطلبان أكثر من مواقف جامعة تستنكر اللعب بأمن البلد واستهداف الأبرياء. الوضع يحتاج الى حلول جريئة مطلوبة على مختلف المستويات خصوصاً متى كان الرهان على أن الحرب السورية ستنتهي قريباً غير دقيق. وقد يكون ذلك مطلوباً ليس من السلطات فحسب.