Site icon IMLebanon

“أول امرأة” هزمها “أول أسود” فهل يهزمها “أول اشتراكي”؟

n

عبّر بيل كلينتون عام 2007 عن ارتباكه أمام ظاهرة “أول أسود” يتجه للفوز بالرئاسة هو باراك أوباما بالقول الشهير “أنا أول رئيس أسود في تاريخ أميركا”. عشية انتخابات نيو هامبشير أمس الأول عبّرت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية بيل كلينتون عن ارتباك مماثل حين قالت أن “المرأة التي لا تتضامن مع المرأة المرشحة للرئاسة مكانها الجحيم”!

لمراقب من خارج الولايات المتحدة الأميركية تبدو الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد نتائج ولاية نيوهامبشير مفتوحة على احتمالات غير مألوفة من جهتي اليمين واليسار معاً.

هل هو المسرح الانتخابي الرئاسي الأميركي يواصل ارتداداته بعد صدمة باراك أوباما الناتجة، أيا تكن الديموقراطية الأميركية راسخة، عن وصول مرشح أسود للرئاسة للمرة الأولى في التاريخ الأميركي؟

لقد كسر انتخاب باراك أوباما الجدار التقليدي السميك للتمييز العنصري وأحدث تأثيرا عميقا في الثقافة السياسية العالمية بكاملها وليس في أميركا وحدها.

اليوم، إذا كان لنتائج نيوهامبشير الأولية أن تواصل تأثيرها في مسار الانتخابات فهذا يعني أن زلزال أوباما قد ينتقل إما إلى جهة اليمين فيأتي بمرشح شعبوي خطر هو دونالد ترامب أو من جهة اليسار يأتي بمرشح يساري فعلي لا يترك فرصة في أي مناسبة، بما فيها بعد فوزه، للهجوم على “وول ستريت” كرمز لسلطة المال الأميركية على صناع السياسة. الملاحظة هنا هي انفتاح مجال اختراق التقليد وإحداث سابقة.

“وول ستريت” كما هو ثابت دَعَمَ باراك أوباما أو أن الأخير حظي برصيد كبير فيه ولم يكن من خارجه منذ ولايته الأولى، وهذا ما عاد وظهر في التهمة التي تُوجَّه للرئيس أوباما بانتهاج سياسة إنقاذ لمصارف “وول ستريت” في الأزمة المالية الضخمة التي أصابت الاقتصاد والمواطن الأميركي عام 2009 مما عنى عميقاً، أن “وول ستريت” لم يكن بعيدا عن زلزال انتخاب أوباما رئيسا، وهذا من سمات الرأسمالية الأميركية القادرة تقليديا على اتخاذ قرارات تغييرية وحتى “ثورية” في الداخل والخارج. للتذكير فإن أوباما، استوعب، بطريقة حضارية وليست ” جلجوءة”، حركةَ “احتلّوا وول ستريت” بعد الأزمة المالية بعكس ما فعلت الطبقة السياسية اللبنانية مع ” الحراك المدني” الشبابي بعد أزمة النفايات. وليس بعيدا من الناحية الفكرية أن يكون موقف بيرني ساندرز ضد “وول ستريت” إحدى نتائج تأثيرات حركة “احتلّوا وول ستريت” الشبابية.

اليوم على اليسار مرشح يهودي هو السيناتو بيرني ساندرز. ليست يهوديته حتى الآن موضوعا خلافيا أو عنصريا وإنما “أيديولوجيته” التي تتجاوز الموقف الليبرالي، أي المتجه يساراً بالمصطلحات الأميركية وليس الأوروبية، إلى ما يسمّيه معلقون في أميركا ” المرشح الاشتراكي”.

سيئة الحظ هي هيلاري كلينتون. كل مرة تترشّح، وهذه هي المرة الثانية، يظهر أمامها مرشح يجعل فرادتها كأول إمرأة يمكن أن تصل إلى الرئاسة فرادة ضعيفة قياساً بالفرادة الأخرى التي تواجهها.

عام 2007، وقد أتيح لي أن أكون في عداد وفد صحافي من قارات عديدة كنا نجول على الولايات لتغطية الانتخابات الأولية، كان الصوت الديموقراطي حائرا في البداية بين “أول إمرأة” و”أول أسود” حتى، باعتقادي ومشاهداتي، حسم شباب الطبقة الوسطى البيضاء قبل غيرهم هذه الحيرة ومالوا بحماس متزايد يومها إلى باراك أوباما. ودائما أروي لأصدقائي اللبنانيين والعرب كيف وصلنا إلى مدينة سِياتل في أقصى الغرب الشمالي صباح يوم ممطر في شباط 2007 لحضور مهرجان في استاد رياضي سوف يتكلم فيه باراك أوباما وكان طابور الشباب، ومعظمهم بيض، في مدينة كسياتل من مدن الطبقة الوسطى القوية بل مدينة شريحة عليا قوية من الطبقة الوسطى، كيف كان الطابور يمتد مئات الأمتار تحت مطر خفيف وبرد شديد. في تلك الساعات انتبهتُ كمراقب خارجي إلى أن ظاهرة أوباما هي أعمق مما كنتُ أعتقد في ميلي إلى نجاح هيلاري كلينتون مستندا على سمعتها بمساعدة زوجها كرئيس في التسعينات على إيجاد مشروع جديد عادل للرعاية الصحية أفشله يومها اليمين الجمهوري وبعض الديموقراطيين وعاد أوباما فأنقذ بعد أكثر من خمسة عشر عاما جزءا مهما منه في ما أصبح يُسمّى “أوباما كير”.

اليوم أيضا: “أول إمرأة” تواجه ظاهرة “أول اشتراكي” عنوان معركته هو التصدي لـ” وول ستريت” وعبره لما يسمّيه “المؤسسة” ولاحقا، لنفترض أنها تجاوزت عقبة ساندرز، يحيط بها مرشح شعبوي، صحيح أنه ليس الأول من نوعه، ولكنه يظهر أكثر خطورة يوما بعد يوم، إلى حد أن أحد المعلقين على قناة “سي.إن إن ” أمس رأى أن “المؤسسة الجمهورية” يمكن أن تدرس تبنّيه.

عبّر بيل كلينتون عام 2007 عن ارتباكه أمام ظاهرة “أول أسود” بالقول الشهير “أنا أول رئيس أسود في تاريخ أميركا” وربما كان هذا صحيحا من زاوية مواقفه حيال السود كرئيس، ولكن كل ذلك لم ينفعه عام 2007 لوصول زوجته التي يرافقها في كل حملتها الآن. عشية انتخابات نيو هامبشير أمس الأول عبّرت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية بيل كلينتون عن ارتباك مماثل حين قالت هي وشخصية نسائية أخرى في موقف مشترك “أن المرأة التي لا تتضامن مع المرأة المرشحة مكانها الجحيم”.

صحيح أن كل شيء يمكن أن يصبح مختلفا لاحقا ولكن مخاطر زلزال جديد إما عن اليسار أو اليمين تبدو جدية جدا بعد نتائج نيوهامبشير.