IMLebanon

إكتمل عقد “السفراء الخمسة”… فماذا بعد؟

 

مع انسداد الأفق المؤدي الى الحلقة الثانية عشرة من مسلسل انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية اكتمل عقد السفراء ممثلي لقاء باريس الخماسي في بيروت بعد عطلتي الفصح المجيد والفطر السعيد، إيذاناً بانطلاق حركة ديبلوماسية لم تحدد نتائجها بعد. فسقوط معظم السيناريوهات التي بُنيت على الرغبات والأمنيات يفرض التريث انتظاراً لما سينتهي إليه الحراك المنتظر وما يمكن ان يرافقه من طروحات. وعليه، ما هي المعطيات المتوافرة؟

من المفترض ان تتروّى بعض الماكينات الإعلامية، ومعها الجيوش الالكترونية التي تخوض المواجهات حول الإستحقاق الرئاسي والمواقف الإقليمية والدولية مما يجري على الساحة اللبنانية، في الحديث عن الخطوات المقبلة والسيناريوهات التي تواكبها بعدما سقط معظم ما روّجت له حتى اليوم بطريقة ماراتونية هوليوودية خالية من الحقائق التي ما زالت غامضة، خصوصاً تلك التي نسجت عقب «اتفاق بكين» بين السعودية وايران، والتي اعتقد البعض انه سيقود حتماً بطريقة سحرية الى تصفير المشكلات وحلحلة العُقد الناشئة بين الدولتين على أكثر من ساحة عربية وخليجية وصولاً الى الساحة اللبنانية.

 

وقد غفل هؤلاء عن كثير من المعطيات التي طرأت في ظل وجود قوى أخرى مؤثرة على الساحة اللبنانية من غير الدولتين المعنيتين بالاتفاق، وهو ما يستدعي انتظار ان يثبت الطرفان مقاربتهما الإيجابية بالنسبة إلى ما يجري في لبنان. وهو امر يجب ان يسبقه التأكد من وجود قرار بإدراجه على لائحة أولوياتهما قبل البحث في ترجمة أي تفاهم وثباته وإمكان تنفيذه عند إحصاء النتائج الاولية المترتّبة على الاتصالات بينهما من دون تجاهل وتقدير قوة الاطراف الاخرى داخلية كانت ام خارجية. فواقع الأمر يقول انهما ليسا اللاعبين الوحيدين على الساحة اللبنانية، وهو ما تُترجمه المواقف الداخلية المتباعدة والمتشنجة التي حالت دون استئناف مسلسل الجلسات المطلوبة لانتخاب الرئيس قبل الحديث عن الملفات الشائكة الأخرى التي تلتقي فيها الساحات الايرانية والسورية واللبنانية.

 

وعليه، فإنّ مجرد عودة ممثلي الدول من أصحاب المبادرات المنخرطين في البحث عن المخارج المحتملة وباتوا في بيروت بكل عدتهم الديبلوماسية على مستوى السفراء يؤمل منها التوصل الى خطوات جديدة. ولذلك من المفترض ان تظهر بعض المؤشرات العملية التي تحاكي المرحلة المقبلة في قريب الايام وما يمكن القيام به لتسهيل التقارب بين اللبنانيين بعد ان أثبتوا عجزهم عن إجراء العملية الانتخابية على وقع الخلاف القائم حول آليتها والتفسيرات المتناقضة للمواد الدستورية التي تحكمها بطريقة شلّت عمل السلطة التشريعية وحالت دون القيام بواجباتها بانتخاب الرئيس قبل القيام بأي عمل آخر. فالخروق المتفرقة التي قادت إليها الجلسات التشريعية جَرت على وقع التقاء مصالح محدودة وَفّرت النصاب القانوني لجلسة تشريعية عندما التقى اكثر من نصف اعضاء المجلس على التمديد للمجالس البلدية والاختيارية تحت شعار ما يسمّى «تشريع الضرورة». وهو أمر لم يفرج عن الاعتراف الشامل بقدرة المجلس على التشريع في كل أمر مطروح عليه. وقد جرى ذلك قبل أن يجمّد المجلس الدستوري ليل أمس الأول العمل بالقانون وتجميد مفاعيله الى حين النظر بمجموعة الطعون التي رفعت امامه.

 

وبمعزل عن هذه الاستحقاقات التشريعية، ثمة ما هو اكثر صعوبة وتعقيداً عندما يتصل الامر بإنهاء حال الشغور في رئاسة الجمهورية. فهو من القضايا الاكثر صعوبة وتعقيدا، والتي عجز المجلس النيابي عن القيام بها على مدى 11 جلسة نتيجة لفقدان القوة النيابية القادرة على الحسم وفقدانها ما كانت تتمتع به قبل انتخابات 15 أيار العام الماضي من اكثرية قابلة للعبور بمثل هذا الاستحقاق بالاكثرية المبنية على ثلثي اعضاء مجلس النواب، لتأمين نصاب الجلسة التي يمكن ان تنتهي الى انتخاب اي رئيس يحظى بما يزيد على النصف زائداَ واحداً ولو بصوت واحد.

 

وإن رغب الباحثون عن الخيارات المقبلة التي يمكن الوصول إليها فإنهم يترقّبون منذ اليوم الحراك السعودي الذي بدأه السفير وليد البخاري فور عودته الى بيروت، والذي قاد حركة مكوكية واسعة لم ولن تستثني أحداً انطلاقاً من اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس النواب نبيه بري قبل ان يلتقي مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان ومن ثم برؤساء الاحزاب المعارضة ليوسّع جولته في اتجاه بكركي في وقت قريب.

 

وعليه، فقد عبّرت المراجع الديبلوماسية عن اعتقادها بضرورة الربط بين مهمة البخاري والحراك الموازي لبقية ممثلي لقاء باريس إن جاءت مكمّلة للجولة التي بدأها كلّ من السفير المصري ياسر علوي، الذي سبق بها نظراءه من اعضاء اللقاء، قبل ان يطلق السفير القطري إبراهيم بن عبد العزيز السهلاوي جولته البيروتية الذي سبق البخاري بحركته قبل يوم واحد تمهيداً للبحث في إمكان القيام بجولة جديدة للموفد القطري وزير الدولة للشؤون الخارجية محمد عبد العزيز الخليفي. وكل ذلك جرى ويجري تزامناً مع جولة السفيرة الاميركية شيا منذ ثلاثة أيام، والتي شملت إلى الامس كلّاً من نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب قبَيل قيامه بمهمة جديدة تجاه المعنيين بأي خطوة تُحيي الحوار الذي يريده رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل ان تطّلع أمس الأول على بقية التفاصيل والأجواء المحيطة بالاستحقاق والظروف المطلوبة للدعوة الى جلسة انتخابية جديدة.

 

وبناء على ما تقدّم من الضروري التحلّي بالصبر وانتظار حصيلة هذه الورشة من الإتصالات الهادفة الى رعاية بعض المخارج الممكنة، والتي ما زالت عاجزة عن توفير الإجماع الخارجي على خريطة طريق يمكن الاعتماد عليها لقيادة الجهود المبذولة لتجميع القوى الداخلية بما يضمن انجاز الاستحقاق الرئاسي في أفضل الظروف الممكنة وتأمين النصاب لجلسة مضمونة النتائج ما زالت عصيّة على جهود الداخل والخارج معاً.

 

الى هذه المؤشرات فإنّ ما يزرع القلق في نفوس المراقبين مردّه الى عدم وجود اي مؤشر على تفاهم سعودي – ايراني تجاه لبنان في انتظار مسلسل اللقاءات المقبلة على مستوى وزيري الخارجية السعودي والإيراني الذي يمهّد للقاء القمة بين رأسي الدولتين. كما الحاجة الى معرفة نتائج المسعى الفرنسي الذي ما زال يفتقد الموافقة من الأطراف الأربعة الاخرى وسط حديث عن إمكان سحب التفويض المُعطى لباريس إن وجد في مكان ما.

 

وتجدر الإشارة إلى انّ من ينتظر حلولاً او مخارج ممكنة في وقت قريب عليه التريّث وانتظار ما يمكن ان تُفضي إليه المساعي الجديدة المرتقبة، فالسيناريوهات لا توفر ما يطمئن بوجود خطوات إيجابية. لأنّ التشنج الداخلي بلغ الذروة وهو انعكس على مستوى الأطراف الخمسة الذين يتريّثون مخافة القيام بأي دعسة ناقصة يمكن ان تؤدي بما بذل من جهود طوال الفترة السابقة. فالنزاع على الساحة اللبنانية ما زال خارج إطار اي تفاهم إيراني ـ سعودي مباشر كما على بقية المسارات البارزة وأهمها تلك التي فرزت أطراف لقاء باريس الخماسي ووضعت الفرنسيين في مواجهة الأطراف الأربعة الآخرين كما على المستوى الاميركي ـ الايراني. ولذلك، فإنّ التوقعات تشير بما يؤدي الى مزيد من التوترات التي يمكن أن لا تقود الى اي تفاهم في المدى المنظور ما لم يتحقق ما ليس في الحسبان. فالتوازنات الداخلية مختلّة، وأيّ رهان على الخارج سيبقى رهناً بالقدرة على تصحيح موازين القوى الداخلية بشكلٍ يؤمّن التوصّل إلى اي خطوة ايجابية.