مرّة جديدة تستغرب أوساط اللجنة الخماسية التي تضمّ كلاً من فرنسا وأميركا والسعودية ومصر وقطر الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية عن خلافات بين هذه الدول في شأن رعايتها لحل الأزمة اللبنانية وإنهاء الشغور الرئاسي.
لا تنفي هذه الأوساط ظهور التباينات في السابق، لكنها تؤكّد أنّ مواصلة الترويج لها «عجيب» من قبل ما تعتبره «آلة إعلامية»، إذ بات معروفاً أنه تمّت معالجتها في اجتماع ممثلي الدول الخمس في الدوحة في 17 تموز الماضي الذي صدر إثره بيان من نقاط محدّدة، يشدّد على تسريع انتخاب الرئيس، ويشير في نصه إلى أنه جرت «مناقشة خيارات محدّدة لاتخاذ إجراءات ضد من يعرقلون التقدّم على هذا الصعيد».
الأوساط نفسها تشدّد على أنّ ذلك الاجتماع شهد تصويباً للموقف أدّى الجانب السعودي دوراً فيه، للحؤول دون تحويل تحرّك أي من الدول الخمس إلى طرف في شأن هوية الرئيس المقبل، عبر اقتراح اسم معين للرئاسة، مثلما جرى بالنسبة إلى المعادلة التي سعت باريس إليها قبل أكثر من سنة، القائمة على رئاسة سليمان فرنجية مقابل رئاسة الحكومة للقاضي في محكمة العدل الدولية السفير السابق الدكتور نواف سلام. وكانت واشنطن اعترضت بدورها على معادلة باريس هذه. وبعض الفرقاء اللبنانيين حاولوا إقناع الرياض بأن تقترح هي اسماً للرئاسة لكنها بقيت على رفضها ذلك، لاعتقادها الراسخ أنّ أي اسم تقترحه هي أو تدعمه الدول الخمس سيتمّ إجهاضه وحرقه فوراً. فهذه لعبة الجهات التي همّها عرقلة ملء الفراغ الرئاسي. تمسُّك الدول الخمس بعدم اقتراح أسماء بعد اجتماع الدوحة حال دون الوقوع في فخ هذه اللعبة، حسب الأوساط نفسها.
تقرّ مصادر متصلة بالخماسية بأنّ تحرّكها تأخّر لدفع اللبنانيين إلى انتخاب رئيس، لأنّ زهاء ثمانية أشهر ضاعت نتيجة محاولات لم تنجح لتسويق اسم معين للرئاسة من جهة، ولأنّ الحرب الإسرائيلية على غزة وتفاعلاتها الإقليمية والدولية شغلت العواصم كافة بها، نظراً إلى خطورتها التي انعكست على لبنان وجبهته الجنوبية في شكل مقلق من جهة ثانية.
النص الذي قد تعود إليه الخماسية من بيان 17 تموز في الدوحة من أجل البحث في إقرار عقوبات على القيادات أو الجهات التي يمكن أن تعرقل مسعاها الراهن لإنهاء الفراغ الرئاسي، هو الخيار الذي يعقب عدم نجاح ضمانها عقد جلسات متتالية ومفتوحة للمجلس النيابي كي ينتخب الرئيس الجديد. فاللجنة الخماسية كانت ناقشت في الدوحة قبل 7 أشهر توقيت اللجوء إلى عقوبات ضد المعرقلين فاتفق الرأي على اتّخاذ القرار في شأنها بعد ظهور نتائج تسليم الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان المعايير والمواصفات المشتركة بين الفرقاء كافة للرئيس العتيد كي يسقطوا الاسم أو الأسماء عليها، ويدخلوا إلى قاعة البرلمان للاقتراع في جلسات مفتوحة. أوساط الخماسية تتوقع تسلسلاً للخطوات كالآتي:
– لقاءات السفراء الخمسة الثنائية مع الفرقاء اللبنانيين، استناداً إلى لقائهم الأخير مع رئيس البرلمان نبيه بري الذي كان إيجابياً حيال اقتراح كتلة «الاعتدال الوطني» النيابية إجراء مشاورات ثنائية وثلاثية مع سائر الكتل النيابية داخل البرلمان بدلاً من جلسات الحوار التي اقترحها بري وترفضها المعارضة، على أن يعقبها عقد جلسات متتالية للانتخاب.
– إطلاع لودريان على نتائجها استكمالاً لجوجلة مواصفات ومعايير الرئيس العتيد التي جمع الموفد الفرنسي قسماً من الأجوبة عن الأسئلة المكتوبة حولها من الفرقاء.
– زيارة لودريان بيروت للقاء الفرقاء وتسليمهم أربعاً إلى خمس مواصفات بدت مشتركة بين أكثرية الكتل النيابية للرئيس العتيد.
– اجتماع الكتل للتباحث بالأسماء بعدما باتت غالبيتها حسب انطباع الخماسية ميالة إلى الخيار الثالث بين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، فإما تتفق على اسم معين تنتخبه، أو تذهب إلى جلسات مفتوحة متتالية حتى انتخاب المرشح القادر على تأمين الأكثرية.
فإجهاض الجلسات المتتالية يعني إسقاط ضمانة الدول الخمس لها.