إذا أردنا وضع هذه الكلمات: فوانيس سحرية، قبّعات أرانب، تنجيمات تلفزيونية، مبادرات محليّة، لجان دولية وكل ما يزاد عليها، في المكان المناسب، تصبّ جميعها داخل التهلكة اللبنانية. لا شيء يمرّ عندنا بسهولة وسلاسة، فلا أهلاً ولا سهلاً بالدساتير والقوانين. الإنتخابات على أشكالها أكانت رئاسية، نيابية، بلدية، تقع في «قفص التأجيل». التشكيلات على أنواعها أكانت حكومية، قضائية، أمنية، تسقط في فلك التسويف. يتفذلك المعطّلون على الدستور، فتضحك علينا الأمم. يقاومون الإحتلالات والاستعمارات «بكرامة وعزّة» ثمّ يستولون على قواعد الإستحقاقات (الرئاسية) ومواعيدها وآلياتها، فيستنجدون بالوساطات الخارجية لمساعدتهم، حيث تندفع بكلّ حماستها وديناميكيتها إلى أن تبرد وتخفت حركتها وتستكين على «الدوزنة» الداخلية. فكان الله و»وآلهة الوطن» في عون «اللجنة الخماسية».
خمس دول يُعد بعضها من الأكبر عالمياً وإقليميّاً. خمسة لاعبين لا عَيبَ في إمكانياتهم ودوافعهم الحريصة والإنقاذية تجاه لبنان، سوى أنهم يلعبون في ملعبٍ صعب المراس، مع فرقاء «متيبّسين» في مواقفهم كأنها مُنزلة في كتابٍ أو مكتوبة في أسفار مقدّسة.
إنبثقت «رياح الخماسية» عن روحية اللقاء الثلاثي (الأميركي – الفرنسي – السعودي) الذي انعقد على هامش الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك (22 أيلول 2022)، ثم صدر بيان عن وزراء خارجية هذه الدول الثلاث عبّروا فيه عن «دعم بلادهم المستمرّ لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وتشجيع البرلمان اللبناني على انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري». كان ذلك قبل شهر من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون (في 31 تشرين الأوّل 2022). وبمبادرة باريسيّة من خلال ديبلوماسيتها النشطة في الملف اللبناني، تشكّلت اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة العربية السعودية، مصر وقطر) وعقدت أول اجتماعها في شباط 2023 بمبنى الخارجية الفرنسية بـ»كواي دورسيه» («Quai d›Orsay»حيث يقع المقرّ التاريخي للوزارة منذ عام 1855). وعقدت لقاءها الثاني في العاصمة القطرية الدوحة (تمّوز 2023)، مؤكّدة «أن الحلول لا يمكن أن تكون إلا على أيدي اللبنانيين». أما اجتماعها الأخير على المستوى الوزاري فكان في نيويورك (أيلول 2023) بعد أيام قليلة من عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان من جولته الثالثة في لبنان، ما عكس المشقّات التي تُطارد رئاسة الجمهورية.
هذا الإنفلاش والتزخيم الذي رافق اللجنة الدولية، سرعان ما تحوّل على درب الجلجلة اللبنانية، إنكماشاً وتقلّصاً، لتنحصر في حقائب سفراء هذه الدول المعتمدين لدى لبنان. وبعد حوالى ستة أشهر على لقاء الدوحة لم يلتقِ «الخمسة الكبار»، إذ اتفقوا من حيث المبدأ أن تنعقد مجالسهم كلّ مرة، في إحدى الدول الخمس. وحتّى الآن لم يحدّد موعد التئامهم المفترض في المملكة العربية السعودية، بعدما طالبت الأخيرة بذلك، على أن تكون الدورة التالية في مصر. في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة إلى أن السبب يكمن في عدم بروز أي معطى جديد يستحقّ اللقاء. فلا بوادر أمل يبثّها الأطراف اللبنانيون في الملف، باستثناء مبادرة «الإعتدال الوطني» التي لا تعدو كونها محاولة معروفة المصير، في هذا الوقت الضائع بين صفائح غزّة والبحر الأحمر وجنوب لبنان الساخنة.
وتُشبّه المصادر حركة السفراء بـ»رقصة فولوكلورية» روتينية على المسرح الرئاسي، حتى أنّ «دورياتهم» على الأقطاب والقوى السياسية المحليّة، تجمّدت. وحالت بعض التعقيدات من توسيع «بيكار» لقاءاتهم، فالسفيرة الأميركية (ليزا جونسون) لا تستطيع زيارة رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل بسبب العقوبات الأميركية عليه… فيما الجلوس في حضرة سليمان فرنجية دونه تحدّ صعب بكونه مرشحاً ولكن غير توافقي بالنسبة للخماسية. واقتصرت جولاتهم على رئيسي مجلس النوّاب (نبيه برّي) وحكومة تصريف الأعمال (نجيب ميقاتي) من جهة، وعلى بعضهم البعض من جهة أخرى، وآخرها أمس عند السفير القطري في لبنان.
في الخلاصة، يصحّ في ما آلت إليه رحلة «اللجنة» من حيوية على صعيد عواصم القرار، إلى حراك على مستوى السفراء، المثل القائل: «أضرب العجينة بالحيط إذا ما عِلْقْت بِتْعَلّم». مهما كانت نتائج «الخماسية» وإنقباض نشاطها، يعكس فشلها أو نجاحها، مرآة المسؤولين اللبنانيين المعطّلين لأي مجهود دولي أو محليّ، يضع حدّاً لهذه المهزلة بحق الدستور ورئاسة الجمهورية ومؤسسات الدولة.