في اطار الجهود الدبلوماسية التي تبذلها مصر لدعم لبنان وتعزيز استقراره ومساعدة شعبه على إنهاء حالة الشغور الرئاسي القائمة منذ ما يقارب سنة ونصف، يشارك السفير المصري في بيروت في اجتماعات اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان، والتي تضم في عضويتها كُلاًّ من مصر والمملكة العربية السعودية وقطر وفرنسا والولايات المتحدة. ويبدو من الاجتماعات التي تعقدها اللجنة الخماسية مع المسؤولين اللبنانيين بأن السفير المصري علاء موسى يلعب دوراً محورياً تنسيقياً بين السفراء اعضاء اللجنة، وهذا ما يؤشر اليه دوره بالقيام بدور الناطق الرسمي باسم اللجنة، حيث يشرح في نهاية كل لقاء اطار البحث لهذه الاجتماعات، ويرفقه دائماً باطار من التفاؤل وبما يفتح الباب امام اللجنة الدبلوماسية لاستكمال مهامها، من خلال توسيع دائرة اجتماعاتها مع المسؤولين والافرقاء اللبنانيين، والتي كان من ابرزها الاجتماع الذي عقدته اللجنة مع البطريرك الراعي، والذي كان موقفه واضحاً حول ضرورة الاحتكام للدستور وتطبيق مواده الواضحة لجهة انتخاب الرئيس العتيد، وبأنه لا يجب اضاعة المزيد من الوقت في محاولات الدفع نحو اعتماد مقاربات والبحث عن آليات من خارج الدستور على غرار ما جرى في الاستحقاقين السابقين في الدوحة وفي بيروت لاختيار رئيس جديد، عن طريق المساومة تحقيقاً لمكاسب يحققها هذا الفريق او ذاك، وبعيداً عن قواعد الانتخاب التي يكررها الدستور.
في الواقع لا بدَّ من التساؤل حول الاسباب التي تدعو افراد اللجنة الخماسية لتزخيم مبادراتهم وعقد اجتماعاتهم والخروج بشروحات واستنتاجات تدعو للتفاؤل بأن اللجنة جادة وستسعى الى انجاح مبادراتها، والتي لا بد ان تنتهي بانتخاب رئيس جديد، خصوصاً وأن نشاطاتها واجتماعاتها مع المسؤولين تأتي في ظل احتدام الحرب في غزة وفي جنوب لبنان، والتي يشارك فيها الثنائي الشيعي، والذي يمثل احد طرفي المعادلة في الازمة، والتي لا يبدو بأنها ستشهد اية انفراجات قريبة. واللافت بأن حزب الله ما زال ينأى بنفسه عن الانخراط في عمل اللجنة.
في رأينا لن تدفع الاجواء الوقائية التي تسود بين اعضاء اللجنة الخماسية نحوالتوصل الى اي خطوات ايجابية على طريق ايجاد المخارج اللازمة للأزمة في ظل التصعيد الحاصل على كل جبهات القتال، يضاف الى ذلك بأن اي تقدم في الملف الرئاسي سيتطلب حصول تفاهم سعودي – ايراني بشأن لبنان، هذا بالاضافة الى تفاهمات أميركية – ايرانية بشأن العديد من الملفات الشائكة وابرزها الملف النووي الايراني، مروراً بالوجود العسكري الاميركي في العراق وسوريا، ووصولاً الى التوصل الى وقف للنار في غزة، وبما يفتح الباب امام ايران للقيام بخطوات ايجابية على طريق التهدئة على الجبهات الاخرى وخصوصاً في جنوب لبنان وفي باب المندب وبحر العرب وخليج عمان.
في ظل غياب التفاهمات الدولية والاقليمية كوقف الحرب الجارية على عدة جبهات فإنه من المستبعد اقناع حزب الله اوالرئيس نبيه بري بالتخلي عن ترشيح سليمان فرنجية، والذي يرى فيه الحزب الضمانة الوحيدة لحماية ظهره في المستقبل. يؤشر بقوة الى ثبات الثنائي الشيعي في ترشيحهما لفرنجية التجربة التي مرّت بها مبادرة كتلة الاعتدال، والتي خرجت بعد اجتماعها الاول مع الرئيس بري بأجواء تدعو للتفاؤل حول امكانية تداعي النواب لجلسة تشاور في المجلس النيابي. لكن سرعان ما بددت اجواء التفاؤل هذه التي خرجت من عين التينة، حول شروط الحوار وشكله والدعوة اليه وترؤس هذا الحوار من قبل الرئيس بري نفسه. وهذا ما نسف كل اجواء التفاؤل وأكد بالتالي سقوط المبادرة.
تتعامل اللجنة في اجتماعاتها مع المسؤولين اللبنانيين متجاهلة الزلزال الذي احدثه هجوم حماس على غلاف غزة، وما تبعه من ويلات الحرب التي شنتها اسرائيل على القطاع وشعبه. وبالرغم من تمدد العمليات العسكرية لتشمل عدة جبهات، فإن اللجنة ما زالت تتعامل مع القوى السياسية من منطق تحييد لبنان بالحد الادنى من تأثيرات ما يجري في غزة، ومن تطورات الحرب في الجنوب اللبناني، والتي باتت تنذر بخطار الانزلاق الى حرب واسعة.ويبدو بأن الهدف من هذه السلوكية من قبل اللجنة، بأنها تفتح الباب عند حدوث وقف لإطلاق النار لوجود حالة مناعة سياسية تحفز تسريع عجلة انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تكوين جميع المؤسسات المنهارة.
اما الهدف الثاني لأجواء التفاؤل التي تحاول اللجنة الخماسية ان تضيفها على نتائج تحركاتها فهي للايحاء بأن لبنان سيكون جاهزاً في المستقبل للتعاون مع اية خطة عمل اقليمية ودولية جديدة، ويبدو جلياً بأن اللجنة تنطلق من تحركاتها استناداً الى قناعة المسؤولين في دولها بأن لبنان قادر على استعادة دوره الاقليمي والعودة الى تميّزه الثقافي والاقتصادي. ويبدو بوضوح بأن اللجنة تبدي حرصها على احترام التوازنات بين مختلف المكونات اللبنانية، وخصوصاً في المجالين السياسي والانتخابي ويبدو بأن اللجنة تبدي حرصها أيضاً على تحضير لبنان ليكون شريكاً في التسوية الاقليمية الشاملة، بدل ان يقع على هامشها وتأتي الحلول على حسابه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
بعد لقاء الرئيس بري اللجنة الخماسية في آخر لقاء هذا الاسبوع رأى بري بأن اللقاء كان جيداً وسيتكرر، وبأن التوافق قائم على ضرورة انجاز التفاهم توصلاً لتحقيق الاستحقاق. في المقابل وعد السفير المصري باستكمال الجولات بهدف الوصول الى تشكيل وجهة نظر متقاربة لدى المجتمع وأرضية مشتركة تساعد على الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي، وربط السفير المصري تفاؤله بإشارة جديدة وهي المرونة التي يبديها الاطراف.
في الواقع لا بد من التساؤل عن الاسباب التي تدفع السفير المصري لهذا القدر من التفاؤل؟ لا يمكن الحكم على مدى واقعية السفير المصري في تقييمه للطبقة السياسية في لبنان، ولذلك أرى لزاماً على ان احذره من مغبة تفاؤله المفرط، وان اقص عليه ما قاله الدكتور سليم الحص في محاضرة في الجامعة الاميركية عندما كان رئيسا للوزراء «ان مشكلتنا الكبرى في لبنان اننا نقول للسياسيين ما لا نضمر، ونضمر ما لا نقول». وهذا الامر الذي يؤشر الى ازدواجية تؤسس لاستمرار آفة الفساد والنفاق السياسي.