IMLebanon

هل تعرف «الخماسية» ما هو انطباع الناس عنها؟

 

 

من حظ لبنان طبعاً أن تتشكّل خماسية دولية لمؤازرته على انتخاب رئيس للجمهورية والسهر على مصلحة شعبه، وقلّة من الدول التي تواجه الأزمات تحظى بالاهتمام الذي يحظى به لبنان، لكن من الواجب أيضاً مصارحة دول الخماسية ببعض الحقائق.

الأزمة الكبرى والرئيسية التي يعاني منها لبنان يمكن اختصارها بعامل أساسي وهو تغييب دور الدولة، وما لم تستعيد هذه الدولة دورها على الحدود وفي الداخل والخارج يستحيل ان يستعيد لبنان استقراره السياسي والمالي، وسيبقى في حالة من عدم التوازن والأزمات التي تتوالى فصولاً.

 

فلا حلّ للأزمة اللبنانية قبل اتفاق مكوناته انّ الدولة تشكّل المساحة المشتركة التي تجمعهم بمعزل عن طبيعة النظام السياسي، أكان اتفاق الطائف او أي نظام آخر، لأنّ المهمّ هو اتفاقهم على الصيغة التي تؤمِّن الاستقرار الذي من دونه سيبقى لبنان ساحة ولن يرتقي إلى مصاف الأوطان، وسيبقى الشعب اللبناني ضحية الأزمات المتنقلة.

 

فلم يسقط لبنان في العام 1975 إلّا عندما تمّ تعطيل دور الدولة، ولا يواجه الأزمات على اختلافها منذ العام 2005 سوى بسبب التغييب المستمر لدور الدولة، وليس صحيحاً انّ الشعب اللبناني لم يبلغ سن الرشد، بل بَلَغه منذ مئات السنين، ولكن هناك من لا يريد الوصول إلى حلّ نهائي بسبب أطماعه بالسيطرة الشاملة، وهذه الأطماع من قوى داخلية تشبك مع قوى خارجية بهدف الاستقواء والهيمنة، وهذا الواقع الصراعي يُبقي لبنان ساحة.

 

وقد يتفهّم اللبنانيون، ربما، انّ المجتمع الدولي عاجز عن حلّ أزمتهم بكبسة زر، خصوصاً انّ هذا المجتمع يواجه عشرات الأزمات في العالم، ولا يملك عصا سحرية ولا غليظة لمعالجة هذه الأزمات، ولكن من حقّ اللبنانيين، بالمقابل، مطالبة المجتمع الدولي بالآتي:

أولاً، من حقّ اللبنانيين على المجتمع الدولي مطالبته بمنع التدخُّل الخارجي في شؤونهم، لأنّهم غير قادرين، وهذا طبيعي، على مواجهة إيران مثلاً، وهذا من أبسط أدوار هذا المجتمع الذي عليه ألّا يسمح بانتهاك دولة كبرى لسيادة دولة صغرى.

 

ثانياً، من حقّ اللبنانيين على المجتمع الدولي تنفيذ القرارات الدولية التي أقرّها، وتحديداً القرارات 1559 و1680 و1701.

ثالثاً، من حقّ اللبنانيين على المجتمع الدولي أن يكون دائماً إلى جانب من يقف مع مشروع الدولة والقرارات الدولية، وألّا يكون على الحياد، وقد لا يكون قادراً على حلّ الأزمة اللبنانية، وهذا مفهوم، ولكنه لا يستطيع ان ينأى بنفسه وأن يقف على مسافة واحدة بين الفريق الذي يريد دولة فعلية، والفريق الذي يمنع قيام هذه الدولة، خصوصاً انّ الأزمة بعمقها ليست صراعاً على السلطة، إنما جوهرها سيطرة إيران على لبنان.

رابعاً، من حقّ اللبنانيين على المجتمع الدولي ان يسعى إلى حلّ الأزمة اللبنانية وليس التسليم بالأمر الواقع والتعامل مع هذا الأمر الواقع، والسعي يكون عن طريق إما دعوة القوى السياسية إلى مؤتمر دولي، وإما باتخاذ إجراءات عملية من قبيل نشر قوات دولية معززة على الحدود بين لبنان وسوريا، وهذه الخطوة وحدها مع مراقبة شديدة لحركة المطار والمرافئ كفيلة بوقف التدخُّل الإيراني ومنع طهران من إرسال السلاح إلى «حزب الله» فيفقد دوره الإقليمي ويصبح بحكم الساقط عسكرياً.

 

وبالتوازي لا أحد يحمِّل الخماسية مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ولا بل إنّ مساعيها مشكورة لتجاوز الاستعصاء الرئاسي، ومسؤولية استمرار الشغور تقع أولاً وأخيراً على فريق الممانعة الذي يرفض تطبيق الدستور ويتمسّك بمرشحه على رغم عجزه عن انتخابه. ولكن هل فكرّت الخماسية الدولية للحظة واحدة في سمعتها وصورتها بعد أن تحولّت إلى «صليب أحمر»، فيما المطلوب منها ان تضع النقاط على الحروف على غرار بيانها التأسيسي في الدوحة الذي رسم خريطة طريق انتخاب الرئيس من خلال الالتزام بالدستور والقرارات الدولية؟ وهل أجرت تقييماً لأسلوب عملها الذي تحوّل إلى وسيط بحثاً عن مساحة مشتركة لم تتمكّن من تحقيقها بسبب تعنُّت فريق الممانعة وتمسّكه بمطالب غير دستورية؟ وهل دور الوسيط أدّى إلى انتخاب رئيس، أم إلى استمرار الشغور في ظل انطباع انّ خمس دول كبرى عاجزة ليس عن مساعدة الدولة في بسط سلطتها على الأراضي اللبنانية حصراً، إنما عاجزة عن انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل تدرك الخماسية انّ الإنطباع الموجود هو انّ إيران التي تدعم الفريق الذي يمنع انتخاب رئيس إلّا بشروطه أقوى منها؟ وهل دورها المتساهل شجّع الفريق المعطِّل على مواصلة تعطيله أم دفعه إلى التجاوب وانتخاب رئيس تبعاً للدستور؟

 

فالمطلوب من الخماسية، بمحبة تامة، الانتقال من دور العلاقات العامة، إلى دور تحميل المسؤوليات بوضوح شديد على قاعدة انّ من لا يلتزم بالنصوص الدستورية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية يتحمّل مسؤولية استمرار الشغور، خصوصاً انّ دورها الوسيط الذي بدأ منذ أكثر من سنة ونصف، لم يؤد إلى أي نتيجة. وهل تقبل الخماسية ان تفرض مجموعة داخل دولها شروطها خلافاً للدستور وخلافاً لقواعد الحياة الديموقراطية؟ فأحد أسباب الاهتراء الحاصل منذ عقدين عدم الاحتكام إلى الدستور بفعل التعطيل المتعمّد لدفع الفريق الدستوري إلى التسليم بالأمر الواقع بغية تجاوز التعطيل، وهذا ما لن يحصل هذه المرّة.

 

وهل طموح «الخماسية» انتخاب رئيس لمجرّد الانتخاب، فتكون حقّقت أهدافها وخرجت من هذا الاستحقاق منتصرة؟ وهل التسليم بمرشّح الممانعة تعدّه إنجازاً، أم انتخاب رئيس «فضّة مشكل» تعتبره انتصاراً؟ وتدرك «الخماسية» جيداً بأنّ الانهيار الكبير حصل في ظل وجود رئيس للجمهورية، وانّ الانتخاب العشوائي لا يحلّ أحد أوجه الأزمة اللبنانية التي تتطلّب وجود سلطة تنفيذية من رئيس جمهورية ورئيس حكومة وحكومة، لا يتأثرون بأي فريق، وأولويتهم المصلحة العليا للبنان واللبنانيين.

 

اللبنانيون يريدون من الخماسية حلّ أزمة السلاح غير الشرعي، ويريدون من الخماسية حلّ الأزمة الرئاسية وفقاً للدستور، ويريدون ان تكون أكثر المتمسكين بالدستور، ويريدون منها ان تسمّي المعطّلين بالاسم، لأنّ التسمية تساهم في تسريع الانتخاب بعد أن يشعر الفريق المعطِّل انّه أصبح في مواجهة مع الخماسية، وتريد من الخماسية ان تترجم أقوالها إلى أفعال وليس ان تلوِّح بعقوبات ويبقى تلويحها من دون ترجمة عملية فيطمئن الفريق المعطِّل بأنّ الخماسية «بتحكي وما بتفعل»، ويريدون منها دور الوسيط ولكن الوسيط الذي يحمل صفارة لتنبيه المعطِّل وتحذيره من إجراءات وخطوات، ويريدون من الخماسية ان تسعى إلى تقريب وجهات النظر حول مساحة مشتركة، والمساحة المشتركة الوحيدة هي الدستور.

 

مشكورة الخماسية على كل ما تقوم به، ولكن عليها ان تدرك بأنّ الانطباع اللبناني عن حركتها بأنّها «حركة بلا بركة»، وأنّها تفضِّل المشهدية على المواقف المبدئية، وعليها ان تدرك أيضاً بأنّ أسلوب عملها يخدم السياسة التوسعية الإيرانية التي لم تتوسّع إلّا بسبب استقالة المجتمع الدولي من دوره، وعليها ان تدرك أخيراً بأنّ أحد أهداف محور الممانعة إفقادها هيبتها وتأثيرها كما أفقد الدولة اللبنانية هيبتها وتأثيرها.