كان «استبعاد إيران من الخماسية الدولية» يعتبر من الأسباب الأساسية لإخفاقها في الإحاطة بحلول رئاسية قابلة للتطبيق ومقبولة من جميع الأطراف، لكن في أعقاب اللقاء الذي جمع سفيرَ المملكة السعودية وليد البخاري بنظيره الإيراني مجتبى أماني، يُفترض أنّ الرؤية والأفكار الإيرانية للحلول صارت على طاولة «الخماسية». تطوّر يُبنى عليه لتحقيق خرق في جدار الفراغ الرئاسي، ليس معزولاً عمّا يشهده الإقليم من مفاوضات أميركية – إيرانية تحصل في عُمان، وسعودية إيرانية ترجمة للقاء بكين الشهير.
أُدرجت زيارة السفير الإيراني على جدول البخاري بعدما كان أغلب الظن أنّ لقاءاته ستكون محصورة بسفراء دول «الخماسية»، تحضيراً للقاء مرتقب في الرياض لم يحدّد موعده بعد، كما جولتهم على المسؤولين المرتبطة بإنهاء بعض السفراء إجراءات تسلمهم الرسمية من الناحية البروتوكولية، ولا سيما السفيرة الأميركية الجديدة.
اختصار المعطيات حول لقاء السفيرَين لا يلغي كونه خطوة ترتدي أهمية بالشكل والتوقيت. من حيث الشكل صار معلوماً أنّ إيران لا تولي الشكليات أهمية بقدر ما تصوّب على الهدف. ولا تجد مانعاً من زيارة سفيرها في لبنان نظيره السعودي وملاقاته إلى خيمة «السدو» التي اعتاد استقبال ضيوفه فيها في الآونة الأخيرة. بعد هذا اللقاء ليس مهماً أن تتحول اللجنة إلى خماسية بالشكل، فحضور السفير الايراني كان كافياً على عتبة اجتماعها الجديد الذي يعقد على وقع الحرب في غزة واشتعال جبهة الحرب في الجنوب والتهديدات الاسرائيلية بتوسّعها. ارتدت الجلسة «طابعاً ودياً»، حيث كان التأكيد «على إتمام الاستحقاقات الدستورية». عبارة فضفاضة تخفي خلفها حضوراً بارزاً لاستحقاق رئاسة الجمهورية من بابه الواسع.
وفيما كثّف سفير المملكة نشاطه ولقاءاته، برز حراك مماثل للسفير أماني الذي أطلّ في مقابلة متلفزة على محطة «أو تي في» التلفزيونية، التابعة لـ «التيار الوطني الحر»، يتحدث الى المجتمع المسيحي على امتداد ثمانين دقيقة، ثم كانت دعوته رئيس الحزب الإشتراكي السابق وليد جنبلاط إلى مأدبة عشاء سياسية، سبقتها زيارة الزعيم الدرزي السفارةَ الإيرانية.
محطات ثلاث ربطتها مصادر خاصة بوجود تطوّر ما يدور في الأفق، يتعلق بأمرين أساسيين: الحرب الإسرائيلية على غزة والتطوّرات المرتبطة بها على الساحة الجنوبية في لبنان، وملف رئاسة الجمهورية.
من خلال البحث المستفيض وما لاح في الأجواء الإقليمية والمحلية بدا واضحاً لإيران أنّ اللجنة الخماسية ركّزت أولوياتها حديثاً على ملف الرئاسة، وسحبت كل الملفات التي كانت ملحقة به. وتحدثت مصادر متابعة عن وجود تطورات إقليمية فرضت تحريك هذا الملف في الآونة الأخيرة ليحتل صدارة البحث في لقاء السفيرين أمس، وخلال مأدبة العشاء مع جنبلاط، وقالت إنّ نتائج الاجتماعين الإيجابية سيكون لها تأثير على اجتماعات «الخماسية» المقبلة.
وبناءً على الاجتماعات الجارية، فإنّ إيران ستكون حاضرة حكماً في اجتماع «الخماسية» من خلال حصيلة اجتماع البخاري بنظيره الإيراني في ما يتعلق بالملف الرئاسي، على وجه التحديد. ما يعني أنّ الرئاسة لم تعد أسيرة الحرب في غزة، كما كانت حتى الأمس القريب، وأنّ السفير الإيراني أوضح من خلال اللقاءات التي يعقدها بعيداً عن الإعلام وتلك المعلنة على ضرورة مواكبة البحث في الملف الرئاسي وإنجازه، وهذا تطوّر يُبنى عليه، وإن كان «حزب الله» لا يزال يؤكد أن لا رئاسة قبل انتهاء الحرب على غزة.
بحسب ما توحي به المصادر الخاصة، فإنّ إيران لمست تعديلاً في موقف «الخماسية» أو لنقل في الموقف السعودي لناحية ربط الملف الرئاسي اللبناني باستحقاقات أخرى كشرط الإصلاحات وسلاح «حزب الله» وغيرها من الموضوعات السياسية. تطوّر ارتأت أن تلاقيه إلى منتصف الطريق لتفرج عن الملف المعطّل بسبب تمسّك حليفها في لبنان أي «حزب الله» بترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ولكن ما ليس معلوماً، وما لم تفصح عنه مصادر الجانبين، هو هل معنى القول إنّ إيران حاضرة بأفكارها في «الخماسية» وهو استعداد «الخماسية» للبحث في ترشيح فرنجية أو إنّ ايران لم تعد تمانع فكرة البحث عن مرشح ثالث؟.
بحسب المطلعين، فإنّ فرض فرنجية ليس شرطاً ولا عكسه أيضاً، فالبحث في الأسماء لم ينل حيزاً واسعاً من النقاش أو أنّه بقي مرهوناً بما ستتبلّغه «الخماسية» من نتائج الحوار الأميركي مع إيران أو حوار الأخيرة مع المملكة، وكلاهما كفيل بأن يلقي بظلاله على الإستحقاق، لكن قبل غزة أو بعدها؟ أو قبل الحرب التي تهدّد بها إسرائيل لبنان أو بعدها؟ أم أن المطلوب انتخاب رئيس في أسرع وقت ليواكب التطوّرات الكبرى في المنطقة؟