IMLebanon

اللجنة الخماسية والرئاسة: الجنازة حامية

 

 

أحد أبرز وجوه المأساة اللبنانية، يتمثل في أن غالبية وازنة من القوى والشخصيات السياسية تمارس الإنكار حيال عدم وجود أيّ تأثير لها في المعالجات الجوهرية لأزمات لبنان الأساسية. وفي كل مفصل تختبر فيه موازين القوى الفعلية، تظهر هذه الفئة في موقع العاجز، لكنها تتصرف بلهفة وتركض خلف أيّ إشارة يشتمّ منها رائحة دور ما.مع الوقت، يتضح أن هذا المرض لا يصيب هؤلاء اللبنانيين فقط، بل وصلت العدوى الى طاقم من الديبلوماسيين الذين يلمسون البطالة في ظلّ تحديات كالتي تمر بها المنطقة. فينضم هؤلاء الى الجوقة اللبنانية في حديث – لا يعرف أحد مدى جديته – عن تنشيط عمل اللجنة الخماسية التي تؤدي دوراً في ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان. ويبدأ الحديث عن الجهود الساعية لفكّ مسار هذا الملف عن المعادلات الآخذة في التشكل جرّاء الحرب على غزة والوجه الإقليمي لها.

تحت هذين العنوانين، تُروّج الشائعات عن دور قطري يعادله آخر فرنسي، وموعد مُرتقب لانعقاد اللجنة في الرياض (يقال إنه في مطلع شباط المقبل)، وكلها تخضع لقراءات متناقضة، مع اعتقاد البعض بأن ثمة فرصة لإنجاز رئاسي في بيئة إقليمية غير حاضنة لتسويات سياسية وأخرى دولية تستعر فيها المواجهة، علماً أن زوار عواصم «الخماسية» يعودون منها بانطباعات مختلفة تماماً عما يقال.

كانَ السفير السعودي في بيروت وليد البخاري أول من أوحى بوجود تطوّر ما. وهو تحدث عن الأمر في لقاءات بدأ بعقدها نهاية السنة الماضية، وشملت شخصيات سياسية معظمها من الدائرين في فلك السعودية أو الطامحين إلى أدوار داخلية. ومن ثمّ، جرى إدخال الفرنسيّين على الخط، كون باريس مهجوسة دوماً بفكرة الحضور، وبُثّت معلومات عن وجود موفدها جان إيف لودريان في الرياض، تحضيراً لزيارتين سيقوم بهما الى القاهرة وبيروت. وترافقَ ذلك كله، مع ترجيحات بأن يحطّ الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني قريباً في لبنان للمهمة نفسها. وعليه فُتِح باب التحليلات على مصراعيه.

وفي السياق نفسه، تبيّن أن البعض أوفد ممثلين عنه الى الخارج لتقصّي الحقائق، ليتبيّن لاحقاً أن النتيجة تطابق المثل القائل بأن «الجنازة حامية والميت…»، وأن ما من شيء يحرز التوقف عنده. فقد سمِع أحد الزوار من ديبلوماسي عربي إجابة مختصرة بشأن الملف اللبناني، حاسماً أن تركيز بلاده اليوم ينصبّ على الوضع في غزة كما هو شأن كل العواصم الأخرى. كان الرجل واضحاً لجهة أن «الملف لا يمكن لأيّ دولة أن تحلّه وحدها، وأن الرياض كما واشنطن تضعانه أسفل جدول أعمالهما أو حتى خارجه». هكذا كانت الحال قبل عملية «طوفان الأقصى»، فكيف ستكون مقاربتهما حالياً والميدان هو الشغل الشاغل لهما؟ ويكشف الديبلوماسي نفسه عن معلومات وصلت إلى بلاده تقول إن «الخطوة الوحيدة التي أقدمت عليها السعودية في الآونة الأخيرة، هي الطلب من الدوحة سحب الأسماء من سوق الترشيحات، على ألّا يتجاوز الكلام مع القوى السياسية حدّ المواصفات العامة للرئيس المقبل، والتوقف عن دفع الأموال لتعبيد الطريق أمام أيّ مرشح تعتبره قطر تسووياً»، مشيراً إلى أن الاتفاق المبدئي بين الدول الخمس هو «إصدار بيان مشترك يشدّد على ضرورة انتخاب رئيس مع اختصار المواصفات التي سبقَ أن أكدت عليها بيانات اللجنة»، وغير ذلك «لا شيء للبحث»!

لقاء بين نصر الله وفرنجية وتأكيد على استمرار دعم حزب الله لمرشحه الرئاسي

 

لم يكُن فحوى ما وصل الى الجهات المعنية في لبنان مغايراً لمضمون كلام الديبلوماسي العربي. حتى إن بعض المسؤولين الغربيين اعتبروا أن الكلام عن فصل المسارات «سذاجة»، وأن مقاربة من هذا النوع تعني واحداً من أمرين: إما أن هناك في لبنان من لا يُدرك حساسية الوضع وخطورته، أو أنه لا يعرف كيف ترتّب الدول أولويّاتها في وضع كالذي نعيشه. حيث لا ترى واشنطن في لبنان «إلا الجبهة الجنوبية المشتعلة، ولا تبحث سوى عن اتفاق سياسي يضمن عدم انزلاقها الى مواجهة كبيرة مع الإسرائيليين»، بينما تعرف طهران والرياض جيداً أن لهذه التسوية «سياقاتها الزمانية وظروفها الداخلية والإقليمية والدولية غير المتوافرة».

أما وجهة التطورات الداخلية، فلا تقود إلى غير هذه الخلاصة. فليس عابراً أن يخرج رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في ذروة التحليلات عن المكاسب السياسية التي يُمكن أن يجنيها أيّ طرف داخلي من نتائج العدوان على غزة للتأكيد (عبر «الأخبار») أنه «لن ينتخب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في أيّ وقت وتحت أي ظرف»، في خطوة بدت رداً مباشراً وواضحاً على إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري (عبر «الأخبار» أيضاً) قبل أسبوع أن فرنجية هو المرشح الوحيد المعلن، في إشارة الى استمرار دعمه له. حتى المراهنون على براغماتية الرجل أو احتمال سيره بخيار آخر لأسباب مرتبطة بالضغط الخارجي وعدم قدرة البلد على تحمّل الفراغ لأشهر مقبلة، يعودون الى منطق أن بري لن يذهب بعيداً في خياره عن حزب الله في هذه اللحظة الحرجة.

أما الحزب، فلا شيء يدفعه إلى مغادرة مربعه الرئاسي الداعم لفرنجية ولا يجد ما يجبره على ذلك، وفقَ معلومات تقول إن فرنجية سمِع هذا الكلام من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله شخصياً في لقاء جمعهما قبل أسبوعين. فضلاً عن أن حزب الله ليس بوارد التركيز على أيّ أمر غير الجبهة المفتوحة مع العدوّ، وهو لا يريد الآن فتح أيّ ملف قبل اتضاح المسار في غزة. لذا، فإن التوصيف الدقيق للحراك الدولي والإقليمي والداخلي في الملف الرئاسي الذي يسمع فيه الكثير من الضجيج هو أنه فقّاعة إعلامية وسياسية.