يترنح المشهد السياسي على إيقاع الأزمة الاقتصادية والمالية المستفحلة في البلاد والتي لم تجد طريقها بعد إلى المعالجات الجدية والفعلية، بينما نشهد الكثير من الأفكار والنظريات التي تحتاج إلى الإرادة السياسية للتطبيق وإلى خريطة الطريق التي يجب أن تُحدد البداية والنهاية، ويرى البعض أنه لا أمل في أي معالجة طالما لا نزال نعيش في ظل هذا النظام الطائفي البغيض.
بينما أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً يُفترض أنه لمعالجة مشكلة إختفاء الدولار الأميركي من الأسواق وارتفاع سعره في السوق السوداء، جاء التصنيف الجديد لشركة “موديز” للتصنيف الإئتماني للدولة اللبنانية، ليُقرر الإبقاء على التصنيف الحالي Caa1 ووضعت تصنيف لبنان قيد المراقبة وباتجاه التخفيض خلال ثلاثة أشهر إذا لم يتبلور مسار الأمور باتجاه إيجابي.
وبمعزل عن هذه التصنيفات ومدى تأثيرها على الوضع الاقتصادي والمالي الداخلي، فهناك من يعتبر نفسه من العارفين بعلم الإقتصاد والمال، يصف تعميم المصرف المركزي بأنه إجراء ناقص لأنه يجب أن يشمل كل القطاعات الإنتاجية التي تُساهم في تحريك عجلة الاقتصاد.
مسكنات وخطة افرام
ويقول النائب والصناعي رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه نزيه نجم لـ”نداء الوطن” إنه سيلتقي الرؤساء ولا سيما رئيس مجلس النواب نبيه بري لتقديم رؤية جدية للمعالجة تتضمن آلية تفصيلية لضبط حركة الدولار وإبقائه تحت السيطرة وتسهيل عمل كل القطاعات الإنتاجية في الوقت نفسه.
في المقابل، تتساءل مصادر نيابية متابعة عما إذا كان تعميم حاكم مصرف لبنان سيؤدي إلى تغيير في البنية الاقتصادية للبلد؟ مشيرة إلى أن كل الإجراءات التي تُتخذ حتى الآن ليست سوى مسكنات (بانادول Panadol ).
وتسأل عن خطة ماكينزي، أين هي وهل قرأها أحد؟ وهل قدمت أو لُخصت من قبل الحكومة؟ فهناك الكثير من الخطط والأفكار العظيمة ولكن لا توجد خريطة طريق للتنفيذ.
كل هذه العناوين والتساؤلات كانت محور اجتماع لجنة الإقتصاد والتجارة والتخطيط البرلمانية الذي خُصص لبحث الخطة الخمسية لتصفير العجز التي أعدتها لجنة مصغرة من أعضاء اللجنة برئاسة رئيسها النائب نعمة افرام.
وتولى افرام شرح الخطة في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب بحضور عدد من النواب أعضاء اللجنة ومن كتل نيابية وسياسية مختلفة، علماً أن البعض سجل ضرورة ألا تتعارض الخطة مع خطط سبق وتقدمت بها قوى وأحزاب سياسية في البرلمان أو خارجه.
وأوضح افرام أن “الخطة التي تم العمل عليها خلال خلوات وعرضت على الرؤساء وستعرض على كل القادة والمسؤولين، ضمن مقاربة إقتصادية – مالية – إجتماعية، هي خطة واقعية ورقمية وعملية وبعيدة من النظريات، ويصح فيها القول إنها سابقة تسجل في المجلس النيابي في مواكبة جدية متخصصة للحراك الإقتصادي الإنقاذي القائم ما بين بعبدا ومجلس الوزراء من ناحية، وما بين الرؤساء الثلاثة والمعنيين المباشرين بالحلول من ناحية ثانية”. وتابع: “تحتوي الخطة على 18 إجراء ضمن المحور الأول فيها هي: خفض العجز في قيمته ونسبته عبر تدابير دورية منصوص عليها ومقسمة على السنوات وبأرقام دقيقة، ووضع سقف لعجز الكهرباء وضبط الحدود إلى أقصى درجة حيث يمكن للدولة اللبنانية توفير ما يعادل الـ 200 مليون دولار في العام 2020، مع حماية جمركية وتقشف، وتصغير مصاريف تشغيل الدولة وزيادة ضرائب على العمال الأجانب غير العرب، وزيادة إيرادات الكهرباء والرسوم الجمركية لتعزيز الصناعة، مع التطرق إلى مساهمات الريجي وكازينو لبنان، وصولاً إلى فرض 3 % على الواردات النفطية، وإطلاق مشروع مرفأ بيروت لسكك الحديد والمزيد من الإيرادات من مشروع خصخصة المطار” .
وتضمن القسم الثاني من الخطة “ما سُمي بتثمير الأصول التي ستؤمن للدولة اللبنانية 800 مليون دولار إذا قامت ببيع حصصها في مؤسسة ضمان الودائع، وغيرها من التدابير إضافة إلى اعتبار العام 2020 عام الإتصالات في لبنان بهدف تأمين 800 مليون دولار، على أن يكون العام 2021 عام المرفأ وسكك الحديد لجهة طرح تشركة جديدة للمرفأ مع مشروع متكامل لبناء سكك حديد نحو البقاع والشمال والجنوب ضمن خطة واحدة، أما العام 2022 فسيكون عام توسعة مطار بيروت، وإذا أعيد العمل والإستثمار في مطار رينه معوض، تستطيع الدولة حينها تأمين 100 مليون دولار من تشغيل المطارات، أما العام 2023 فسيكون عام الكهرباء لجهة زيادة الإيرادات من جراء تطبيق القانون 462 بعد تحديثه، وجلب إستثمار أجنبي أو لبناني يمكن للدولة من خلاله تأمين نصف مليار دولار من شركة كهرباء لبنان.
ولحظت الخطة في قسمها الثالث ارتفاعاً للناتج القومي من 58 مليار دولار إلى 63 مليار دولار العام 2023 ، مع الإشارة إلى أن تطبيقها بدقة يمكنه خفض العجز الإفتراضي في العام 2020 إلى 3.5 مليارات دولار، وإستقرار نسبة الفوائد على معدل 7.5%، مع توقع إنخفاض العجز الإجمالي من 5.5% إلى 0% “.
ولم يخف افرام وجود أزمة صدقية، ما بين الدولة والطبقة السياسية من ناحية وما بين الشعب من ناحية أخرى، وما بين لبنان والعالم أجمع، معتبراً أن الإلتزام بتنفيذ الخطة يُدخلنا نحو لبنان جديد منتج، من خلال جيل حالي يفكر بالجيل المقبل، وليس الجيل الذي لا سمح الله يسرق أو يرهن مستقبل شبابه وأهله والمقبل من الأجيال”.
قرارات موجعة
عضو كتلة “الوسط المستقل” النائب علي درويش قال لـ”نداء الوطن”: “إن الخطة التي عُرضت تتضمن نقاطاً عدة أساسية وهي خلاصة لمجموعة الإجتماعات التي حصلت في وقت سابق، إن كان في لقاء بعبدا الذي شاركت فيه كل القوى والكتل السياسية وعدد من الخبراء الإقتصاديين، أو ما قدمه المجلس الاقتصادي – الاجتماعي أو ما قدمته بعض القوى السياسية والحزبية اللبنانية، وبالتالي وضعت اللجنة خطة لمدة خمس سنوات من أجل تخفيض العجز”.
وتابع: “إن عملية خفض العجز تحتاج إلى قرارات موجعة، إن كان على صعيد الموازنة أو على مستوى إدارة الملفات ومنها ملف الكهرباء وملف النقل وملف الاتصالات وتم التركيز من قبل رئيس اللجنة الأستاذ نعمة افرام على ضرورة وجود إرادة، وهذه الإرادة تعني وجود إرادة سياسية للقيام بالإصلاحات المطلوبة لكي يعطينا مؤتمر “سيدر” نفحة إيجابية على صعيد السيولة ، إنما الأساس لدى المجتمع الدولي الذي يُعتبر الممول الوحيد للمالية من الخارج ، يحتاج إلى إقناع بجدية معالجة الوضع من خلال الممارسة العملية وإلا تكون هذه خطة نظرية لا يمكن أن تُطبق إلا بإرادة سياسية”.