إنهم ينشرون غسيل قانون النسبية. يكاد يتوافر إجماع على أنه سبب المعاصي كلّها. يتساوى في ذلك الذين فازوا والذين خسروا إلاّ قلة منهم. ويجمعون (تقريباً) على أن المجلس النيابي الجديد قد يدشّن عهده باقتراح قانون أو إقتراحات عدّة لتعديل القانون النسبي تحال الى لجنة الإدارة والعدل ثم الى اللجان المشتركة ومن ثم الى الهيئة العامة.
إنه القانون الذي يحملونه آثامهم… وقد يكون بعض مما يقولون صحيحاً. ولكن يفوتهم أنهم، في معظمهم، شاركوا في إرتكاب هذه الخطيئة، إذا كان ثمة خطيئة.
ولعلّ في ما يقوله كثيرون ضعفاً في فهم النسبية التي لها قواعدها وحساباتها. فالذين يأخذون على القانون صوته التفضيلي يجهلون أن في بعض أرقى الدول الديموقراطية في العالم قوانين إنتخابية تعتمد النسبية بالصوت التفضيلي. والذين يتحدثون على من فاز بأصوات أقل من منافسه يجهلون أيضاً أنّ الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب فاز على منافسته مسز هيلاري كلينتون بالرغم من أنها حصدت أصواتاً فاقت الأصوات التي نالها (وهو الذي فاز) ببضعة ملايين صوت. ذلك أن للقوانين والأنظمة خصوصياتها.
لذلك بات ضرورياً أن يعتبر القانون وراءنا… وهو صار وراءنا بالفعل… فلينظر القوم الى المستقبل وليضعوا أمام الأنظار كيفية العبور بلبنان الى شاطىء آمن وسط هذه الأنواء المتلاطمة من مختلف الجهات في هذا البحر الهائج الذي هو الشرق الأوسط والذي زاده هيجاناً القرار الذي إتخذه الرئيس ترامب تاركاً دخاناً متعاظماً من ردود الفعل، ومصيراً مجهولاً للمنطقة التي قد تكون على فوّهة بركان قد تطاول شظايا ناره بلداناً عدة، وربما كان لبنان في صلبها.
أما الإستمرار بالتلهي في حسابات الأرقام فلا يفيد بل يزيد من الأحقاد والضغائن والتفرقة بين اللبنانيين… وهو ما ينذر بأضرار يصعب تقديرها.
أمّا نحن، معشر الإعلاميين، فمدعوون الى القليل من الواقعية والمهنية والبعد عن التنظير، وسحب أنفسنا من صحافة إصدار الأحكام: فالصحافي في منبره ليس قاضياً على قوس المحكمة. وكم يكون مضحكاً ومجالاً للسخرية أن يذهب البعض مثلاً الى اعتبار من جمع مقعدين أو ثلاثة رابحاً فيما يعتبر من حصد عشرات المقاعد خاسراً!
وبالتالي فإذا كان مطلوباً من أهل السياسة والنيابة التعقل في قراءة نتائج الإنتخابات والنزول عن شجرة البطولات المزيّفة أو الطلوع من خندق البكاء والنحيب ورفع المسؤولية عن الذات وإلقاؤها على الآخر وبالذات على القانون، فالمطلوب منا، في الصحافة والإعلام عموماً، أن نعيد قراءة ما صدر عن الكثيرين منا (كتابة وإذاعة وبثاً تلفزيونياً) من تبعية معيبة وانبطاح مؤسف… ولننظر الى العواصف الآتية على لبنان والمنطقة بكثير من الجدية والمسؤولية. فلبنان أهم من المقاعد النيابية والمناصب كلها.