Site icon IMLebanon

السلّة الغذائية… مثقوبة

 

عمرها قصير وتأثيرها على الدولار قليل

يحار الناظر بماذا يصف لبنان. أهو بلد ذو نظام رأسمالي أم اشتراكي قائم على الدعم وتكوين السلات الغذائية؟ ذو وجهة غربية أو شرقية؟ مفلس نتيجة تخلّفه عن تسديد دينه أم في مرحلة المفاوضات لإعادة الهيكلة؟ في طور الإصلاحات لجذب المساعدات أم يبذّر ما بقي لديه من احتياطيات؟

 

في الظاهر، إن الحكومة تفعل الشيء ونقيضه. تتظاهر باحترام الاقتصاد الحر، والعمل على الإصلاح، وعقد الاجتماعات مع صندوق النقد الدولي، تمهيداً لنيل المساعدات. تعد بالبدء بالمفاوضات مع الدائنين، وايجاد الحل لتبخر أموال المودعين وتأمين الاستقرار في سعر الصرف. فيما الحقيقة في مكان آخر. فهي تفصل البلد يوماً بعد آخر عن النظام المالي الدولي، تعمق الأزمة المعيشية، تؤجل الاستحقاقات المصيرية، وكل طرقها المعتمدة تأخذ البلد إلى انفجار اقتصادي عاجلاً أم آجلاً.

 

السلة الغذائية

 

الفشل في الإصلاح الجدي والتأثير الايجابي على سعر الصرف دفع الحكومة إلى الضغط على مصرف لبنان لتوسيع السلة الغذائية المدعومة من 30 إلى 300 منتج. الخطوة التي صوّرت على انها الحل لمواجهة انهيار القدرة الشرائية وأزمة البطالة “ستبقى قاصرة في ظل نظام مرتبط بالدولار يستورد 90 في المئة مما يستهلكه”، يقول الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان. والأخطر ان هذا الدعم عشوائي لجهة تحديد الاصناف أولاً، وشمولي لجهة تغطيته المصاريف التشغيلية والرسوم الجمركية ومصاريف الكهرباء والنقل، وأجور العمال التي ما زالت تدفع على 1500 ليرة. “فوزارة الاقتصاد لا تدخل في كيفية تركيب سعر المنتج النهائي بل تكتفي بمقارنة السعر على الرف مع الفاتورة”، بحسب أبو سليمان. “وهو ما يسمح لبعض التجار بتحقيق ربح غير مبرر على حساب المستهلك النهائي”.

 

في لائحة الاسعار المدعومة المنشورة على موقع وزارة الاقتصاد الالكتروني ما يثير الدهشة والسخرية معاً. توت الكرنبري بعبوات فوق الـ 5 كلغ وعلب الفطر والذرة المعلبة والزبيب والمشمش المجفف والقهوة سريعة التحضير، وقشطة معلبة وحليب مكثف محلى وبطاريات للاستعمال المنزلي ومكسرات… كلها مدعومة. واللائحة تطول من مستلزمات تغطي، بحسب وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، “ثمانين في المئة من مشتريات المواطنين من المؤسسات التجارية”. هذا الدعم، برأي الوزير، “سيسمح بشراء أكثرية الحاجات، إما على سعر 1500 أو 3900 ليرة، مما يسهل أمور المواطن والمستهلك”. لكن المشكلة في أن سياسات الدعم أينما وجدت تساوي بين الفقير والغني، وذلك “على عكس الدعم المباشر للعائلات الأكثر حاجة”، من وجهة نظر أبو سليمان. “فالأجدى كان تخصيص دعم مباشر لسائقي السيارات العمومية والأسر الفقيرة مثلاً، بدلاً من دعم المازوت او منتجات كثيرة يأخذ البلد باتجاه الاقتصاد الموجه والانظمة الاشتراكية الشمولية”.

 

إرتفاع وتيرة التهريب

 

عاجلاً أم آجلاً سيتوجب على لبنان رفع الدعم والسير بتحرير سعر الصرف تدريجياً. وهذا لا يرتبط فقط باقتراحات صندوق النقد الدولي لدعم لبنان، انما بالمنطق الاقتصادي. فاستمرار الدعم العشوائي يعني أولاً استمرار التهريب وارتفاع وتيرته، وثانياً استنزاف ما تبقى من احتياطي العملات الاجنبية في مصرف لبنان. وعليه فان “الفترة اللاحقة ستشهد بدء عملية رفع الدعم عن سلعة تلو الاخرى قد يبدأ بالمازوت والمشتقات النفطية، من ثم القمح وصولاً الى الأدوية”، يقول الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم. فالهدف بإطالة آجال الاحتياطي من جهة يقابل بضغوط سياسية أو سوء إدارة تجبر المركزي على ضخ الدولارات عبر الصرافين”.

 

سياسة شراء الوقت وامتصاص غضب الشارع المتبعة ستصل في النهاية إلى حائط مسدود، خصوصاً ان “التدفقات المالية الخارجة ما زالت أكبر بكثير من الداخلة. الامر الذي سيدفع في النهاية الى نفاد الاحتياطيات”، يقول الحكيّم. “وهذا ما يجعلنا نستنتج ان ادارة الأزمة أسوأ من الأزمة بحد ذاتها”.

 

لن تؤثر على الدولار

 

الآمال الكبيرة المعقودة من قبل المواطنين على انخفاض الاسعار يقابلها ترقب تراجع سعر الدولار. إذ، وبحسب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ان تدبير الدعم “سيؤدي أيضاً إلى خفض سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية. حيث أن الاستيراد سيتحول بمعظمه إلى القطاع المصرفي وسيسحب ليرات لبنانية موجودة في السوق مقابل تمويل هذا الاستيراد”. إلا ان مقارنة حجم الطلب الفعلي مع كمية الدعم تظهر ان الهوة ما زالت كبيرة. وبرأي أبو سليمان فان “الطلب الشهري يقدر بين 500 إلى 600 مليون دولار، فيما الدعم لا يتجاوز الـ 150 مليون دولار، إذا اعتبرنا ان المركزي يتدخل بحدود 5 ملايين دولار يومياً. وعليه فان الطلب الشهري التجاري على الدولار سيكون بحدود 400 مليون دولار سيتأمن من السوق السوداء”.

 

في الوقت الذي يطمّئِن فيه الحاكم إلى ان احتياطي المركزي يبلغ 20.3 مليار دولار، وأن الدعم للسلة الغذائية يأتي من الاموال المحولة الكترونياً، تظهر جميع المعطيات ان مبالغ الدعم ستفوق بأشواط التحويلات الالكترونية. خصوصاً في ظل تراجع الاخيرة بسبب التعميم رقم 13220، القاضي بوجوب تسديد شركات تحويل الاموال قيمة أي تحويل نقدي الكتروني بالعملات الأجنبية وارد من الخارج، بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر المنصة أي 3850. فيما سعر السوق يتراوح أخيراً بين 7500 و8000 ليرة بعدما كان وصل الى 10 آلاف. والسؤال الذي يطرح اليوم هلى سيصمد احتياطي المركزي إلى حين التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يسمح له بالتدخل للدفاع عن تحرير سعر الصرف تدريجياً، أم ان هذا الاحتمال غُيّب نهائياً لمصلحة أخذ البلد إلى الانهيار الكامل؟