في قراءة هادئة لما آلت إليه نتائج اليوم الإنتخابي الطويل في نقابة المهندسين في بيروت، وجدت مصادر نقابية قواتية، أنه لا يمكن القفز فوق العوامل التي أدّت إلى فوز جاد تابت على بول نجم من أجل الخروج بنتيجة واحدة غير دقيقة وهي تقدّم المجتمع المدني على حساب الأحزاب السياسية، وذلك في سياق خطة قديمة – جديدة تهدف إلى شيطنة الأحزاب. وأيضاً لا يمكن فصل العوامل السياسية والنقابية التي أفضت إلى فوز تابت عن بعضها البعض، سيما أن اختصار المعركة بين أحزاب ومجتمع مدني يشكّل تشويهاً للحقيقة.
فما حصل حقيقة، تابعت المصادر، مردّه لاعتبارات مختلفة، وفي طليعتها رغبة جامحة بالتغيير من أجل التخلّص من النهج النقابي المتّبع في السنوات الأخيرة مع النقيبين سمير ضومط وخالد شهاب، وبالتالي، لا يمكن التقليل من حجم الشكوى القائمة ورفض استمرار التحالف نفسه، وتحديداً بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، لأن نجاحه يعني استمرار المشكلة نفسها. مشيرة إلى أنه لا يمكن القفز أيضاً فوق عامل مهم وهو تفوّق القامة النقابية لتابت على قامة نجم، حيث أن الشخص يلعب دوره، وبالتالي الإقتراع هو لشخص تابت وليس للمجتمع المدني، بدليل أن أحداً من لائحة الأخير لم ينجح، ولو كان هناك «تسونامي» مدني لكان يفترض فوز لائحة تابت بكامل أعضائها، الأمر الذي لم يحصل ويثبت أن قوة ما يسمى بالجمعيات المدنية محدود جداً.
وأضافت المصادر نفسها، أنه ولو كان هناك فعلاً موجة ضد الأحزاب، لما كان يفترض أن تنال مرشحة «القوات» ميشلين وهبه أعلى نسبة من الأصوات متقدمة على تابت بحوالي الألف الصوت، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مرشح «القوات» الثاني إيلي كرم، الذي نال أكثر من النقيب بحوالى 300صوت، كما أن مرشحي «المستقبل» و«أمل» و«حزب الله» نجحوا مقابل خسارة المرشحين على لوائح تابت. معتبرة أن ما يسمى بظاهرة المجتمع المدني غير صحيحة، وكل ما في الأمر أن ثمة عوامل شخصية ونقابية وسياسية أدّت إلى ما أدّت إليه، وأما لجهة العوامل السياسية فيمكن التوقف أمام الآتي بحسب المصادر القواتية:
ـ أولاً، من الظلم تحميل «القوات اللبنانية» أية مسؤولية، بل أن «القوات» قامت بجهود استثنائية من أجل ضبط قواعدها بعد تمسّك «التيار الوطني الحر» بمرشحه، علماً أن نبيل أبو جودة ترشّح لهذا الموقع قبل «التيار الحر» بسنة، فيما أظهرت النتائج التزام القاعدة القواتية بنجم بما يفوق الـ75% على رغم تململها من سياق المفاوضات التي امتدت إلى ساعات الصباح الأولى من يوم السبت موعد انتخابات النقابة، وبالتالي من الصعب ضبط الأمور 100%، وقد اضطر الدكتور سمير جعجع إلى التدخّل مرّات عدة بغية دعوة الجميع إلى الإلتزام باللائحة، فيما الماكينة الإنتخابية كانت متشدّدة للغاية.
ـ ثانيا، التصويت الشيعي لم يكن بالكثافة المطلوبة بسبب ثلاثة عوامل: لم يعتبر أن المعركة معركته، وتوقّع أن تكون النتيجة محسومة بفعل التحالف الفضفاض، وعدم حماس «أمل» بالإقتراع لنجم بسبب الخلافات المفتوحة بين الطرفين، والتي لم تنجح كل المحاولات لفتح صفحة جديدة بين الطرفين.
ـ ثالثا، التصويت السني أثبت مجدداً أن هذا الواقع في أزمة ظهرت معالمها مع الإنتخابات البلدية والأرقام التي حصدتها «بيروت مدينتي»، فيما أظهرت صناديق الإقتراع ثلاثة أنواع من المقترعين السنّة: «المستقبل»، ريفي، والمعترضين على كل النهج القائم.
ـ رابعاً، الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أراد توجيه رسالة مبكرة للعهد تعبّر عن انزعاجه من السياسة القائمة، سيما أن النائب جنبلاط لم يزر عون في بعبدا بعد، ويعبّر في مجالسه عن امتعاضه.
ـ خامساً، التحالف الفضفاض أدّى إلى تراخي «التيار الوطني الحر»، الذي اعتبر أن النتيجة مضمونة فلم يحشد بالشكل المطلوب.
وفي موازاة كل ذلك، رأت المصادر أنه يجب الأخذ في الإعتبار أن الإنتخابات النقابية تمّت في توقيت ينصبّ كل التركيز فيه على قانون الإنتخاب والتمديد والفراغ والوضع المأزوم، وبالتالي لم تأخذ الإنتخابات حقها، حيث أن الأولوية في مكان آخر. وتبعاً لما تقدّم، أضافت المصادر عينها، أن القفز إلى استنتاجات سريعة ومتسرّعة هو الخطأ بحد ذاته، فلا يمكن قراءة فوز تابت من دون العودة إلى توقيت المعركة وظروف كل فريق سياسي والعوامل المهنية والنقابية التي أدّت إلى هذا الفوز، فيما محاولة بعض الأطراف حصر الأسباب ب «القوات» وعلاقتها مع «التيار الحر» لا تخرج عن سياق المحاولات الفاشلة لضرب العلاقة بين الطرفين، خصوصاً أنه لو كان «التيار» مكان «القوات» لما نجح بحشد 40% من مهندسيه بعد اشتباك تفاوضي واتفاق قبل فتح صناديق الإقتراع بساعات، إلا أن العلاقة القواتية – العونية تبقى أمتن من أي انتخابات نقابية وغيرها، لأن ما يجمعهما اليوم قضية من طبيعة استراتيجية، وتتمثل في استعادة الدور الوطني المسيحي من خلال المؤسسات الدستورية.