لا يندرج الإجتماع الذي عُقد في «كليمنصو» أخيرًا بين رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع ورئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» النائب وليد جنبلاط، في حُضور زوجة كل منهما إضافة إلى عدد من نوّاب الحزبين، في إطار الزيارات السياسيّة البُروتوكوليّة والتقليديّة. وعلى الرغم من أنّ البيانات والتصاريح الإعلاميّة التي تلت هذا اللقاء ركّزت على توافق الطرفين على تنسيق العمل الثنائي وعلى تعزيز الرؤى المشتركة بالنسبة إلى العملين الحكومي والتشريعي، فإنّ أبعاد هذا اللقاء هي أعمق من ذلك بكثير، وتصل تحديدًا إلى مرحلة الإنتخابات النيابيّة في أيّار 2018، وإلى تموضعاتها السياسيّة وتحالفاتها الميدانيّة.
وفي هذا السياق، كشفت أوساط سياسيّة مُطلعة أنّه في الوقت الذي لا تزال أغلبيّة الأحزاب والقوى السياسيّة في لبنان تدرس شكل التحالفات الذي سترسو عليه في نهاية المطاف، خطى كل من حزبي «القوّات» و«الإشتراكي» خطوات مُتقدّمة نحو تثبيت تحالف إنتخابي ثنائي في دائرة «الشوف وعاليه» الإنتخابيّة. ولفتت إلى أنّ لقاء «كليمنصو» الأخير جاء تتويجًا لأشهر طويلة من اللقاءات الثنائيّة على أكثر من مُستوى قيادي وحزبي، للدفع في هذا الإتجاه، مع تسجيل دور بارز بشكل خاص لكل من النوّاب جورج عدوان عن «القوّات» ووائل أبو فاعور وأكرم شهيّب عن «الإشتراكي». وأضافت الأوساط نفسها أنّ «البيك» و«الحكيم» توافقا على أن يتعاون ويتحالف حزبا «القوات» و«الإشتراكي» بشكل كامل في دورة الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، حيث لكل منهما ثقل شعبي مُشترك، مع السعي المُستمر لتوسيع دائرة اللوائح «الإئتلافيّة» قدر المُستطاع.
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ «القوّات» التي تتمثّل حاليًا بنائب واحد هو جورج عدوان عن دائرة الشوف الإنتخابيّة السابقة، وتفتقر إلى أي تمثيل في دائرتي عاليه وبعبدا السابقتين بحسب تقسيمات القانون الأكثري، تتطلّع لرفع تمثيلها السياسي في جبل لبنان بشكل لافت، إن في الدائرتين الأولى (أي جبيل وكسروان) والثانية (أي المتن)، أو في الدائرتين الثالثة (أي بعبدا) والرابعة (أي الشوف وعاليه) بحسب تقسيمات «القانون النسبي» الجديد. وكشفت أنّ «القوات» تُعوّل على القانون النسبي من جهة، وعلى تحالفها مع الحزب «الإشتراكي» بالتزامن مع تنافسها مع أحزاب حليفة سابقة ومنها حزب «الكتائب»، لرفع عدد نوّابها في كل من الشوف وعاليه وبعبدا من نائب واحد حاليًا إلى أربعة نوّاب في العام 2018. وأضافت أنّ الحزب «الإشتراكي» يرغب بدوره بالدفاع عن الحصّة النيابيّة الكبيرة التي يتمتّع بها في كل من قضاء الشوف وقضاء عاليه اللذين صارا ضمن دائرة إنتخابيّة واحدة بحسب تقسيمات القانون الإنتخابي الجديد، ويطمح أيضًا بالعودة إلى دائرة بعبدا التي أخرِجَ منها في إنتخابات العام 2009.
وشدّدت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ الإتفاق الإنتخابي بين «القوات» و«الإشتراكي» إنعكس إرتياحًا مُتبادلاً بين قواعد الطرفين في كل من الشوف وعاليه وبعبدا، وتنسيقًا ميدانيًا كبيرًا بينهما أيضًا، الأمر الذي إعتبر طيًّا حقيقيًا وفعليًا هذه المرّة لترسّبات «حرب الجبل» بين الطرفين والتي تعود جُذورها إلى العام 1983. وأشارت الأوساط إلى أنّه على الرغم من هذه النقلة النوعيّة في العلاقات بين «القوات» و«الإشتراكي»، فإنّ الأمور بينهما لم تصل بعد إلى مرحلة توزيع المقاعد في اللوائح المُشتركة، على الرغم من تسجيل خطوات إيجابيّة مُهمّة في هذا الصدد. ولفتت إلى أنّ إنضاج اللوائح الثنائيّة يتوقّف على الأطراف النهائية التي ستتشكّل منها هذه اللوائح، حيث أنّ الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات، خاصة بالنسبة إلى تموضع «التيار الوطني الحُرّ».
ورأت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّه من المُفارقات اللافتة أنّ «تيار المُستقبل» الذي كان قد توسّط لدى «الحزب الإشتراكي» في الدورة الإنتخابيّة النيابيّة الأخيرة، لضمّ «القوات» إلى اللوائح الإئتلافيّة، صار بحاجة لوساطة «القوّات» مع «الإشتراكي» ليكون ضُمن اللائحة الإئتلافية التي ستُمثلّ دائرة «الشوف وعاليه» الإنتخابيّة! وأضافت الأوساط أنّ الثقل الشعبي الذي تتمتّع به كل من الأحزاب الثلاثة في «الشوف وعاليه»، يجعل إئتلافها معًا حتميًا، وهو كفيل – في حال توحيده في لائحة واحدة مدروسة، بتحقيق نتائج جيّدة، بغضّ النظر عن التكتلات التي ستنشأ بمُواجهة هذا التحالف، مع التذكير مُجدًدًا بأنّ التحالفات النهائية لم تتبلور بعد، وبالتالي لم يتمّ من اليوم إقفال اللوائح على أي أعضاء إضافيّين ضُمن اللوائح الإئتلافيّة.
وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة كلامها بالتذكير بأنّه في إنتخابات العام 2009 النيابيّة، نال هذا التحالف الثلاثي الأطراف – إذا جاز التعبير، بالتعاون مع القاعدة «الشمعونيّة» في «الجبل» ما نسبته 66,7 % من أصوات الناخبين في الشوف. كما نال تحالف «القوات» – «الإشتراكي» بالتعاون مع مُناصري «الكتائب» ما نسبته 58,7 % من أصوات الناخبين في عاليه. وأضافت أنّه حتى في بعبدا حيث كان للناخبين الشيعة دور محوري في قلب مَوازين القوى في إنتخابات العام 2009، نال تحالف «القوات – الإشتراكي» مع باقي قوى «14 آذار» السابقة، ما نسبته 43 % من أصوات الناخبين. ورأت الأوساط نفسها أنّه إنطلاقًا من هذه الأرقام، إنّ التحالف الإنتخابي القديم – الجديد بين «القوات» و«الإشتراكي» – وعلى أرضيّة متينة هذه المرّة، قادر أن يُشكّل النواة الضرورية للوائح إنتخابيّة إئتلافيّة مُرشّحة لتحقيق نتائج جيّدة جدًا، خاصة إذا أحسنت الأحزاب الثلاثة ضمّ قوى فعّالة إليها، وفي حال جرى أيضًا إستغلال ثغرة كثرة الطامحين بالدخول إلى «جنّة» المجلس النيابي من القوى المُنافسة.