أوحت مجريات الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أن حزب «القوات اللبنانية» يخوض وحيدا معركة التصدي لـ«التطبيع» مع النظام السوري بعد انحسار السجال بهذا الخصوص الى حد كبير بين وزيرين قواتين ورئيس الجمهورية وان كان وزير الاعلام جمال الجراح دخل على الخط لبعض الوقت. لكن اعادة النظر بالموضوع اضافة الى المعلومات المتوافرة، تؤكد أن وزيري الحزب «التقدمي الاشتراكي» كانا يستعدان لاغاثة زملائهم القواتيين قبل أن يباغتهم رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون برفع الجلسة اعتراضا على المنحى الذي اتخذه النقاش. هذا ما تؤكده مصادر «التقدمي الاشتراكي» التي تنفي نفيا قاطعا أن تكون قيادتها خطت اي خطوة الى الوراء في ملف العلاقات مع سوريا وأزمة النازحين، لافتة الى أن طريقة ادارة الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء حالت دون وصول الدور للوزيرين الاشتراكيين اللذين كانا قد طلبا أصلا الكلام للتعبير عن موقف الحزب الواضح والحاسم في هذا المجال. وتقول المصادر لـ«الديار»: «نحن لا نزال نعترض تماما على التطبيع السياسي مع النظام في سوريا ونشدد على ضرورة توافر الشروط الدولية الطوعية والآمنة لاعادة النازحين».
وتنبه مصادر «الاشتراكي» من محاولة «النفاذ من بوابة النازحين لتكريس حالة التطبيع مع النظام واعادة عقارب الساعة الى الوراء»، مشددة على ان «رئيس الحزب وليد جنبلاط لا يزال منحازا تماما الى جانب الشعب السوري ويرفض ترك النازحين لمصير مجهول، خصوصا في ظل المعلومات والتقارير التي وصلتنا عن اعتقال وتوقيف واختفاء عدد من النازحين ابان عودتهم الى سوريا».
وتنسجم المواقف «الاشتراكية» من هذا الملف تماما مع المواقف «القواتية» لحد التطابق، اذ تؤكد مصادر حزب «القوات اللبنانية» ان قيادة الحزب لا تشعر على الاطلاق أنها تخوض معركة رفض التطبيع مع النظام السوري وحيدة، مشددة على ان «التقدمي الاشتراكي» كما تيار «المستقبل» في صميم التوجه الرافض للتطبيع. وتعتبر مصادر «القوات» في حديث مع «الديار» ان «العلاقة اصلا بين سوريا ولبنان لم تنقطع منذ العام 2011 وان كانت بقيت باطار الحد الأدنى، وبالتالي لا لزوم لتفعيلها أكثر طالما سوريا لم تستعد حتى الساعة مقعدها في جامعة الدول العربية»، منبهة من أن «فتح بوابة دمشق في هذه المرحلة بالذات قد يؤدي الى اقفال عواصم عربية ودولية كثيرة أبوابها بوجه لبنان». وتقول المصادر: «أضف ان الانحياز الى دمشق اليوم يتعارض تماما مع سياسة النأي بالنفس التي تتبعها الحكومة ووردت في بيانها الوزاري الأخير، خاصة وأن ذلك قد يعرضنا لعقوبات دولية».
ويعتبر القواتيون أن «هناك اكثر من ملف عالق بين لبنان والنظام في سوريا خاصة بعدما صنّف مؤخرا النظام السوري عددا من المسؤولين اللبنانيين ارهابيين، هذا النظام عدا عن الملفات القضائية في المحاكم اللبنانية التي تؤكد تورط هذا في أفظع الجرائم وأبرزها تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس».
وكما «الاشتراكي»، يشدد حزب «القوات» على وجوب الفصل بين ملفي العلاقة مع سوريا والنازحين، لافتا الى ان مشكلتنا الحقيقية هي مع من يحاول الربط بينهما. وتتساءل المصادر:»أليس الرئيس عون وحزب الله ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم على أفضل العلاقات مع سوريا منذ فترة، لماذا لم تشكل اذا هذه العلاقات بوابة لعودة النازحين؟».
الا أن وضوح الموقفين القواتي والاشتراكي، لا ينسحب على موقف تيار «المستقبل». فقد ترك موقف رئيس الحكومة سعد الحريري في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أكثر من علامة استفهام لدى حلفائه القدامى الذين استغربوا عدم دخوله على خط السجال ليدعم الموقف القواتي، والتزامه بالمقابل الصمت وترك الرئيس عون يدير الجلسة والنقاشات كاملة.
وتشير المعلومات الى وجود رأيين متناقضين داخل تيار «المستقبل» الذي لطالما انقسم الى معسكرين، معسكر الصقور الذين يتبنون المواقف القواتية والاشتراكية كاملة حين يتعلق الأمر بملف النازحين والعلاقة مع سوريا، ومعسكر الحمائم الذين يفضلون التمسك بتحالفهم مع رئيس الجمهورية حتى النهاية وتركه يحسم مسار أزمة النازحين خاصة وأن جمهور تيار «المستقبل» سواء في عرسال أو في عكار وغيرها من المناطق ذات الغالبية السنية، هو الأكثر تضررا من ملف النازحين، وبالتالي لا يمانع اتخاذ أي اجراءات للحد من الأضرار واعادة هؤلاء النازحين بكرامة وأمان الى مناطقهم وقراهم.