لأنه لا يمكن لأي طرف فرض مشروعه الإنتخابي على الآخرين فرضاً
تبقى التفاصيل الأخرى كمسألة الصوت التفضيلي ونقل المقاعد من دائرة إلى أخرى، وتمثيل المغتربين، موضع تشاور ونقاش ولكن ضمن اتفاق الاإطار العام الذي تم التفاهم عليه
أظهرت وقائع الحركة السياسية والمشاورات المتواصلة منذ اشهر بين مختلف الاطراف السياسيين للاتفاق على صيغة مشروع قانون انتخاب جديد، انه يستحيل على اي طرف او حزب سياسي مهما كان حجمه ونفوذه وقوته، فرض الصيغة التي يراها ملائمة لمثل هذا القانون على الاطراف والقوى السياسية الاخرى، مهما كانت الاسباب والحجج التي يتذرع بها لتحقيق هذا الهدف، وانه لا بد من الاخذ بعين الاعتبار الطروحات والصيغ التي يتقدم بها الآخرون لدراستها اسوة بأي مشروع مطروح في هذا الخصوص واستخلاص الافكار والبنود المهمة التي تشكل قاسماً مشتركاً بين كل المشاريع المطروحة لتكون نواة مشروع القانون الذي يتوافق عليه الجميع بالنهاية.
ويلاحظ بهذا الخصوص مثلاً، الدعوات والمواقف والحملات السياسية التي كانت تروج لمشروع قانون يرتكز على اعتماد النسبية الكاملة باعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، وهو الموقف الذي لطالما تبناه «حزب الله» في خطاب قادته ونوابه وبقي متشبثاً بهذا الطرح حتى الايام القليلة الماضية، وفي المقابل كان «التيار الوطني الحر» متشبثاً بطرح صيغة المشروع التأهيلي ويسعى رئيسه الوزير جبران باسيل بكل جهده لفرض هذا المشروع على خصومه وحلفائه على حدٍ سواء، تارة بذريعة انه يحقق ما يسمى بالتمثيل الصحيح للمسيحيين وتارة اخرى بأنه يمنع على الاطراف الاخرى ولا سيما منها المسلمين من اختيار النواب المسيحيين بأصوات غير المسيحيين، كما يحصل في قانون الستين وفرض وصولهم الى المجلس النيابي فرضاً.
ولكن في خلاصة حملات التجاذب والتصعيد السياسي الحاد، تم التوصل الى اتفاق على مشروع قانون انتخابات جديد على اساس النظام النسبي ولكن مع تقسيم لبنان الى 15 دائرة انتخابية وهو ما يسمى باتفاق على اطار القانون بشكل عام، في حين تبقى التفاصيل الاخرى كمسألة الصوت التفضيلي ونقل المقاعد من دائرة الى اخرى، وتمثيل المغتربين، موضع تشاور ونقاش تفصيلي بين كل الاطراف المعنيين ولكن ضمن اتفاق الاطار العام الذي تم التفاهم عليه، ومهما تباينت الآراء لن يتم تجاوز ما تم الاتفاق عليه او الرجوع الى الوراء، اي قبل حصوله.
فالصيغة التي تم الاتفاق عليها والتي اصبحت متداولة وتعبر عن الصيغة المرتقبة لقانون الانتخاب الجديد، اخذت بعين الاعتبار مطالب وتوجهات مختلف الاطراف وكانت بمثابة خلاصة المشاريع والصيغ المطروحة ولم تعبر عن موقف طرف او حزب معين بحد ذاته.
ويتبين ان صيغة مشروع قانون الانتخاب الجديد اخذت من كل المشاريع المطروحة، إن كان من صيغة مشروع «حزب الله» الذي يطالب باعتماد النسبية الكاملة، او من المشروع المشترك لكل من تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية الذي يرتكز على اعتماد النظام النسبي والاكثري معا بنسب معينة، او صيغة المشروع «التأهيلي» للتيار الوطني والنسبي المرتكز على تقسيم الدوائر الى 15 دائرة من الرئيس نبيه بري بصيغة مخلتفة عن الصيغ التي تم الاتفاق عليها، النسبية كإطار عام ولكن مع تقسيم الدوائر إلى 15 دائرة بما يلبي بعض مطالب الأطراف السياسيين ضمن حدود معينة مع دمج بعض الأقضية والدوائر تلبية لهذه المطالب وتجنباً لإغضاب هذا الطرف أو ذاك، الأمر الذي يعني بالنهاية أن الاتفاق على صيغة قانون الانتخاب ترضي معظم الاطراف السياسيين الأساسيين بالرغم من وجود اعتراضات لجهات سياسية غير مؤثرة ولا تستطيع قلب المعادلة وإجهاض ما تم الاتفاق عليه. وبالرغم من وجود بعض العقبات والمطالب قبل التوصل الى الاعلان عن الصيغة النهائية لمشروع قانون الانتخاب الجديد، الا انه يستبعد ان تؤدي الخلافات والتباينات بخصوصها الى عرقلة ولادة القانون الجديد ضمن المدة الزمنية المتبقية في الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي والتي تبدأ غداً، لأن كل الاطراف السياسية من دون استثناء حريصة على تسهيل الاتفاق على الصيغة المتداولة لقانون الانتخاب الجديد وتفادي إفشال المشاورات الجارية لإنجازها بالرغم من محاولات البعض التشبث بتحقيق مكاسب معينة في الساعات القليلة المتبقية ولأن اعلان الفشل في الاتفاق والدخول في مرحلة الفراغ لن يكون مضراً لطرف واحد بمفرده بل سيضر كل الاطراف على حدّ سواء ويضر البلد كلّه في هذه المرحلة الحسّاسة والصعبة التي تمر بها المنطقة العربية وهو ما يتجنبه الجميع من دون استثناء.