IMLebanon

تشكيل الحكومة بين الحقيقة وجوارها

 

رجل السياسة ليس على ما يظهر، بل ما يخفي، والتجاذبات الحاصلة حول تشكيل الحكومة، بين المعروض والمرفوض، قد يكون من مصلحة الطبقة السياسية الأخذ به على عواهنه، لأن المخفي قد يكون أعظم، لذلك تصبح تعمية الأمور، خير من كشفها، والالتفاف على واقع الحال، من قبيل إلباس الحقيقة قميصا، بدل تقديمها عارية.

لكن ثمة مشكلة اضافية في هذا السياق، تتمثل بادخال بعض الجهات الدينية حقل اللعبة، ما يعطي المسألة أبعادا طائفية أو مذهبية، قابلة للاستثمار في أكثر من مجال، وهنا وجه الخطورة. الخطورة في انتقال هذه المسألة من الحيّز السياسي الطبيعي الى الحيّز الطائفي المرشح لفقدان السيطرة، علما ان اللذين يتكابشون بالقبضات على طاولة التشكيل الحكومي تخطوا الحاجة الى الأدعية والصلوات، بحكم الفرز السياسي الحاصل، والذي جعل لكل طرف كفايته من المشجعين، كما من المطبّلين والمزمّرين، ما يغنيه ويغني البلد، عن المزيد من التصدّعات الوطنية.

كل هذا لن يحرّك السواكن الحكومية في هذه المرحلة الاقليمية المبركنة، حيث لا تهدأ في البصرة حتى تشتعل في إدلب، ولا تعرف الرواق في طرابلس الغرب، حتى تحتدم في صعدة اليمن، وبينما يشتد الأوار في هذه المحاور العربية الواسعة تنهال التحذيرات الأميركية على بيروت من كل حدب وصوب، تارة بداعي هبوط طائرتين محملتين بسلاح الحرس الثوري في مطار رفيق الحريري الدولي، وأخرى على خلفية طموح حزب الله لوزارات على تواصل خدماتي مع الادارة الأميركية، وثالثة وهي الأشد وطأة وتتمثل بتحذير الرعايا الأميركيين من زيارة لبنان.

وطبعا، دعاة تشكيل الحكومة قبل أي استحقاق، لم يَتَسمّروا منتظرين رياح أيلول العاصفة، فكانت زيارة وزراء أمل وحزب الله والمردة الى دمشق، أمس تحت عنوان افتتاح معرض دمشق الدولي، بمثابة قرصة على الناعم، توحي بأن الخيار محسوم بحكومة أو بدونها… معطوفة على التلويح برسالة يوجهها الرئيس عون الى مجلس النواب.

هذا القول استفزّ القناة البرتقالية كما يبدو، فذهبت الى اتهام بقايا ١٤ آذار بمنع اعادة الاعتبار للدور المسيحي الوطني الذي هشّمه وهمّشه اتفاق الطائف، بدءا من رأس الهرم حتى أسفل القاعدة!

وهذا القول استفزّ بدوره الدكتور مصطفى علوش، فرأى التعرّض للطائف قد يجرف معه مبدأ المناصفة.

وطبعا ما كان البحث عن الشعبوية يبرّر لقناة العهد الخروج عن الخط المفترض للعهد، ولا كان على الطرف الآخر، وضع المناصفة الاسلامية – المسيحية التي هي من ثوابت الرئيس الشهيد رفيق الحريري في المرمى كلما دقّ الكوز بالجرّة.

لكن يبقى الجانب الايجابي الملموس، متمثلا بخط الاتصال الآمن، المستمر بين الرئيسين عون والحريري، عملا بالمثل الشعبي القائل: لا تضرب وتعمّق الجرح… لأنه ما بعد العداوة إلاّ الصلح…