تشكيل حكومة جديدة مرتبط بالاستجابة لشروط «النأي بالنفس» وإلا فحكومة تصريف للأعمال
مشكلة استقالة الحكومة مرشحة لتتحول إلى أزمة سياسية معقَّدة وطويلة المدى
تؤشر المواقف السياسية إلى أن الرئيس الحريري ماضٍ باستقالته التي اعلنها في الرياض حتى النهاية بالرغم من بعض التلميحات باحتمال عودته عنها
يترقب اللبنانيون بفارغ الصبر عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت في غضون الأيام القليلة المقبلة كما أعلن هو بنفسه في المقابلة التلفزيونية التي اجريت معه مؤخرا في الرياض، لمعرفة اتجاهات الوضع السياسي العام وكيفية مقاربة مسألة استقالة الحكومة في ضوء الشروط التي كررها أكثر من مرّة بضرورة التزام أطراف التسوية التي انبثق عنها انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وتأليف حكومة الوحدة الوطنية برئاسته بسياسة «النأي بالنفس» وعدم انحياز أو انضمام لبنان إلى أي من المحاور والاحلاف المتصارعة والمباشرة بإجراء حوار وطني حول مسألة سلاح «حزب الله».
ولا شك ان عودة الرئيس الحريري تبقى الأساس في عودة الحركة السياسية إلى الدوران مجددا بعد ان أدى غيابه المتواصل منذ عشرة أيام عن لبنان إلى جمود سياسي شبه شامل وشلل العمل الحكومي وانحسار ملحوظ في عمل المؤسسات الدستورية وانقباض الحركة الاقتصادية عموماً وزيادة منسوب القلق لدى المواطنين جرّاء هذه الاستقالة وما يترتب عنها من نتائج وتداعيات على مجمل الوضع العام في البلاد.
ولكن يبقى السؤال المطروح في ضوء ما حصل خلال الأيام الماضية، ما هو مستقبل حكومة الوحدة الوطنية وهل يمكن ان يتراجع الرئيس الحريري عن استقالته بإلحاح من رئيس الجمهور ية وبقية الأطراف السياسيين أو انه سيصر عليها ويفتح المجال امام بدء مشاورات لتأليف حكومة جديدة؟
تؤشر المواقف السياسية إلى ان الرئيس الحريري ماضٍ باستقالته التي اعلنها في الرياض حتى النهاية بالرغم من بعض التلميحات والاستنتاجات القائلة من هنا وهناك باحتمال عودته عنها والعمل مجدداً على إعادة ترميم وتعويم الحكومة الحالية، باعتبار ان المضي في هذا الخيار لن يؤدي إلى انتظام العمل الحكومي وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء بفعل الاهتزاز السياسي الذي حصل وترك بصماته وآثاره السلبية على التضامن الحكومي من جهة وجراء عدم التزام أطراف أساسيين فيها بسياسة «النأي بالنفس» واستمرار انخراط «حزب الله» بالحروب المذهبية بالمنطقة والتدخل الفاضح في شؤون العديد من الدول العربية الشقيقة من جهة ثانية، وسيؤدي إصرار الرئيس الحريري على الاستقالة إلى قبولها في النهاية والمباشرة بالمشاورات النيابية المطلوبة حسب الدستور لتأليف حكومة جديدة.
ومع ان كل المؤشرات والمواقف تدل على إعادة تسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، إلا ان هناك صعوبات عديدة قد تقف حائلاً دون تشكيلها في حال لم يتم مسبقاً على حسم نقطتين اساسيتين ، الأولى تتعلق بالتزام كل الأطراف بسياسة تحييد لبنان و«النأي بالنفس»، قولاً وفعلاً، والثانية تتعلق بالاطراف المشاركة في الحكومة الجديدة وعما إذا كانت تضم ممثلين عن «حزب الله» كما هي تركيبة الحكومة الحالية أم لا؟
وهذا يعني ان كلا الخيارين، خيار التعويم وخيار التأليف، يبدو صعباً في ظل الأجواء السياسية القائمة وعدم ظهور بوادر إعلان مسبق قبيل عودة الرئيس الحريري لإبداء النوايا الطيبة والاستعداد للالتزام بسياسة «النأي بالنفس» من كل الأطراف وخصوصاً «حزب الله» للتأكيد عن الرغبة في حل الأزمة الحالية وتسهيل مهمة الرئيس الحريري لتجاوز مسألة الاستقالة والمباشرة بتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي حال استمرت الأجواء السياسية المتشنجة على حالها ولم يطرأ ما يدل على الرغبة الاكيدة بتجاوز ما حصل لا سيما على صعيد الالتزام بسياسة «تحييد لبنان» عن الصراعات والامتناع عن سلوكية مشاركة «حزب الله» بالتدخل في شؤون الدول العربية واستهداف أمنها واستقرارها، يبدو ان مشكلة استقالة حكومة الرئيس الحريري مرشحة لتتحول إلى أزمة سياسية معقدة وطويلة المدى لا سيما مع استمرار المواجهة الإقليمية بين الدول الخليجية وإيران في أكثر من مكان، وبالتالي لا تظهر أية مؤشرات ووقائع لإمكانية فصل هذا الصراع وتداعياته السلبية عن لبنان مع استمرار «حزب الله» التأكيد في أكثر من مناسبة الولاء الكامل لإيران والاستعداد لمشاركتها في تنفيذ سياستها المهيمنة وحروبها العبثية في اكثر من دولة عربية شقيقة.
وبعدما وجه «حزب الله» كل اهتماماته وركز مواقفه على ضرورة عودة الرئيس الحريري إلى لبنان مؤخراً في محاولة مكشوفة لاخفاء السبب الرئيسي في استقالة الحكومة وهو تملص الحزب من التزاماته باعتماد سياسة النأي بالنفس، التزم الحزب سياسة الصمت المطبق إزاء ما طرحه الرئيس الحريري من شروط للحفاظ على التسوية السياسية المعقودة قبل عام، الأمر الذي يؤشر إلى نشوب خلاف سياسي حول هذه الشروط لدى مقاربة مسألة تشكيل الحكومة، وفي حال لم تنجح المساعي المبذولة لحل هذا الخلاف، فإن الحكومة الحالية قد تتحوّل إلى حكومة تصريف للأعمال أيضاً لحين ظهور عوامل جديدة تساعد على تجاوز هذه المشكلة الصعبة.