الخلافات على شكل الحكومة تستبق التفاهم على الشخصية التي ستكلف بأمر التشكيل
من نافل القول ان لبنان دخل مرحلة حسّاسة وشديدة التعقيد، حيث لا يبرز في الأفق أي مؤشر يوحي بأن الأزمة الحالية حلها قريب، لا بل ان ما هو متوافر من معطيات يفيد بأننا مع استقالة الحكومة واستمرار الحراك الشعبي على عتبة الانزلاق إلى مأزق سياسي أمده ربما يطول كون ان الطريق إلى تأليف حكومة جديدة لن تكون مزروعة بالورد والياسمين، لا بل إنها عُرضة إلى الكثير من المطبات والحفر.
وبالرغم من الدخول الدولي وخاصة الفرنسي على خط الأزمة في لبنان بُعيد استقالة الرئيس سعد الحريري والحث المتواصل على ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة «للدفع بالاصلاحات» على حدّ تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، فإن مناخات التأليف على المستوى اللبناني ما تزال باردة ويكتنف الغموض الحراك السياسي القائم بهذا الخصوص، مما يوحي بأن حالة الإرباك التي ولدتها الاستقالة ما تزال مهيمنة على الساحة السياسية وتجعل الجميع يقارب بحذر شديد هذا الملف الذي يعتبره البعض مصيرياً ومفصلياً في هذه الظروف الداخلية والإقليمية.
ولو كانت الأمور عكس ذلك لكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد تسلمه كتاب استقالة الرئيس الحريري حدّد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية وتكليف الرئيس العتيد للحكومة، وأما وقد تأخر رئيس الجمهورية في ذلك فإن هذا يعني ان الأمور غير مسهلة لتأليف الحكومة وان المناخات المطلوبة لولوج هذا الاستحقاق ما تزال غير متوافرة.
وفي الوقت الذي لم تبلغ فيه الأمور حد الاتفاق على موعد الاستشارات أو الشخصية التي يُمكن ان تخلف الرئيس الحريري، أو عودته ثانية، فإن الخلافات بدأت تطفو على السطح حول تشكيل الحكومة، فالحراك الشعبي يدأب في كل يوم على المطالبة بحكومة لا تضم أحداً من الطبقة السياسية الحالية وأن تكون حكومة اختصاصيين، وفي المقابل فإنه بدأت تتسرب مواقف من أكثر من جهة سياسية رافضة لتأليف حكومة تكنوقراط والانحياز إلى جانب تشكيل حكومة سياسية تكون قادرة على مواجهة التحديات والاستحقاقات الداخلية والخارجية، وهذا الأمر يؤشر إلى ان رحلة التأليف ربما تكون طويلة وإن حصل ذلك فإنه حتماً لن يكون لصالح لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية ونقدية حادّة، أضف إلى ذلك التأثير السلبي الذي سيطال «سيدر» والموازنة والاصلاحات.
وفي هذا السياق يرسم مصدر وزاري سابق لوحة سوداوية للمشهد اللبناني الذي أصبح على حدّ تعبيره في محيط الفتنة، معرباً عن اعتقاده بأن لبنان لم يخرج من بيئة الصراع الطائفي والمذهبي الذي يحصل في المنطقة، وأن ما يحدث الآن مرتبط بتقديره بما يحدث في العراق، فمطالب العراقيين هي ذاتها التي تصدر في لبنان وكأنها صدى لها، والمواقف السياسية التي تطلق في بغداد نسخة طبق الأصل عن تلك التي تطلق في بيروت.
وإذ يصف المصدر الوضع الراهن بأنه خطير جداً، فإنه يرى ان لبنان في غنى عن العودة إلى الحروب الداخلية والفتن، في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى ترتيب بيته الداخلي ليكون له القدرة على مواجهة أزماته الاقتصادية والنقدية، ناهيك عن وضع المنطقة وما يحاك لأجلها من تسويات قد تأتي على حساب الدول التي تعيش حالة اللااستقرار والتوازن والأزمات.
ويعرب المصدر نفسه عن خوفه من يأخذ الصراع الدائر في لبنان الطابع الأمني والخروج عن السيطرة سيما وان البعض في لبنان لا يسقط من حساباته في إمكانية ان يكون أحد أهداف التحركات الجاري سلاح المقاومة، سيما وان بعض الشعارات التي أطلقت في وسط بيروت جاءت على ذكر هذا الأمر، لافتاً إلى ان السرعة في تأليف الحكومة من الممكن ان تحد من حصول هذا الموضوع، وهذا بالتأكيد لن يكون سهلاً ما لم تحصل تنازلات من قِبل كل الأفرقاء اللبنانيين الذين هم في أجواء حصول مثل هذا التدبير وقد تلقوا تحذيرات وتنبيهات بذلك من أكثر من قناة دبلوماسية وايضاً بالشكل المباشر.
ويلفت المصدر النظر إلى ان الوضع اللبناني اليوم تحت المجهر الدولي، وان هناك مفاوضات حقيقية على أكثر من خط تجري لاحتواء الازمة في لبنان، كاشفاً عن ان موفداً فرنسياً قد يزور قريباً إيران لهذه الغاية، وان وزير خارجية المانيا بحث مع نظيره الإيراني بشكل أساسي الوضع في لبنان، كما ان وزير الخزانة الأميركية اثار الواقع اللبناني مع المسؤولين السعوديين، وفي حال نجح هذا الحراك الخارجي في بلورة أفكار من شأنها ان تساهم في حل الأزمة المستجدة في لبنان سنكون امام حكومة جديدة قريباً، وفي حال حصل عكس ذلك فإننا سنكون امام وضع داخلي مزعج جداً.