دخل لبنان مرحلة جديدة. هذه حقيقة واقعية ملموسة وليست، أو لم تعد مجرّد أمنية. لقد دفع هذا الوطن أثماناً غالية جداً قبل أن يصل الى تحرير الجرود. ولو دفع هذه الأثمان في التوقيت السليم، لما وصلنا الى المأزق الذي وجدنا أنفسنا في دوّامته التي إستمرت سنوات طوالاً، إلى أن كانت عملية الجرود الأخيرة التي إنتشلت لبنان من عنق الزجاجة.
وتبدّى واضحاً أنّ المسألة هي مسألة قرار. ولكن ليس كل من تحمل مسؤولية قادراً على إتخاذ القرار… وليس كل قرار يتخذ هو بالضرورة قرار صائب، وليس بالضرورة في التوقيت الصحيح.
وفي مسألة الجرود القرار صحيح، وتوقيته صالح في أي وقت. إلا أنّ التوقيت الأشد صلاحاً وصواباً كان يجب أن يكون اثر الهجوم الغادر الذي شنّه إرهابيو النصرة وداعش على جيشنا في مطلع شهر آب 2014، يوم تقصّدوا مخافر للجيش ولقوى الأمن الداخلي في عرسال وخارجها (في محيطها القريب) فأوقعوا شهداء، وتمكنوا بالتواطؤ المعروف والمشهور من أن يقتادوا معهم تلك المجموعة الكبيرة من جنود الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي وما رافق تلك المرحلة السوداء من تاريخ الوطن والجيش… ذاك السواد الذي بلغ ذروته بإعلان تصفية الشهداء المخطوفين!
المعلومات التي باتت أكيدة جداً لم تعد خافية على أحد في لبنان. تؤكد بما لا يقبل أي شك أنّ الجيش اللبناني كان قادراً على حسم المعركة في ساعات. وأنّ الإستعدادات إتخذت للبدء بعملية تتولاها أفواج وقطع ووحدات يتقدمها، في حينه، فوج المغاوير… ولكنها أُلغيت في اللحظة الأخيرة قبيل التنفيذ، وثم انسحب «المغاوير» من تلك الجرود.
قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي لم يصدر عنه أي نفي للكلام المتداول على نطاق واسع في هذه الأيام الذي يشير الى أنّ رئيس الحكومة، آنذاك، أبدى رغبته في وقف العملية. وسواء أكان ذلك حدث فعلاً أم لم يحدث فإنه تشوبه شوائب غير قليلة نكتفي بأن نذكر منها الآتي:
أولاً – الرئيس تمام سلام ليس عسكرياً وليس مفترضاً فيه أن يكون. وبالتالي فإنّ موقفه هو سياسي في أي حال. وفي تلك الحال لا يخضع القرار العسكري للرغبات السياسية، لأن دماء الشهداء الأبطال (ضباطاً ورتباء وجنوداً) لم تكن قد جفّت بعد، ولأنّ مجموعة من العسكريين قيد الإختطاف والأولوية لتحريرهم.
ثانياً – لم نسمع ما إذا كان العماد جان قهوجي قد ناقش رئيس الحكومة في رغبته أو انه تجاوب فوراً وأصدر أوامره بوقف العملية. وأصلاً لم نسمع من الرئيس تمام سلام ما يؤكد هذه المعلومة أو ينفيها.
ثالثاً – (وهذا هو الأهم) هل ترجم رئيس الوزارة تمام سلام رغبته تلك خطياً أو إنه إكتفى بإبلاغها تلفونياً إلى قائد الجيش؟ وما هي القيمة الدستورية والعملية لهكذا رغبة تلفونية؟
ولهذا البحث صلة.