IMLebanon

الرابع عشر من آذار بين الصادقين والشامتين

تحلّ الذكرى العاشرة لأكبر تظاهرة في تاريخ لبنان وسط كلام كثير عن تراجع «حركة الرابع من آذار« التي أخرجت القوات السورية من الوطن الصغير وجعلت اللبنانيين يستعيدون الأمل بلبنان. 

كانت تظاهرة الرابع عشر من آذار ، الخطوة الأولى على طريق استعادة الوطن الصغير إستقلاله. لم يصدّق كثيرون، على رأسهم النظام السوري، أن ردّ فعل اللبنانيين على إغتيال رفيق الحريري سيكون مختلفا. لم يصدّقوا أنّ دمّ رفيق الحريري سيخرج القوات السورية والأجهزة التابعة لها من البلد.

وقتذاك، مباشرة بعد تفجير موكب رفيق الحريري، هناك من دعا إلى الإسراع في تغيير معالم مسرح الجريمة في بيروت. هناك اميل لحود، رئيس الجمهورية الذي دعا في جلسة مجلس الوزراء إلى إعادة فتح الطرق، بما في ذلك الطريق الذي إختير ليكون مكان تنفيذ الجريمة، «كي ينصرف الناس إلى أعمالهم«. 

كان لحود، والذين يقفون خلفه، يتصرّفون وكأنّ رفيق الحريري قتل في حادث سير وأنّ الجريمة ستمرّ مرور الكرام. كانت في ذهنهم الجرائم الأخرى، بدءا باغتيال كمال جنبلاط في العام ورئيسين للجمهورية هما بشير الجميل ورينيه معوّض والمفتي حسن خالد وعشرات الشخصيات الأخرى التي قالت لا للوصاية السورية وللسجن الكبير الذي أقامته هذه الوصاية.

في الذكرى العاشرة للحدث الأوّل من نوعه في تاريخ البلد، يبدو الكلام عن تراجع ما كلاما مبرّرا. ولكن ما لا بدّ من الإشارة إليه، أنّ هناك من يقول هذا الكلام، من زاوية الحرص الشديد على الحركة الإستقلالية. وهناك من يقوله من باب الشماتة ليس إلّا. 

هناك من يشمت باللبنانيين الذين أجبروا القوات السورية على الإنسحاب من بلدهم كي تحلّ مكان الوصاية السورية وصاية من نوع آخر. إنّها الوصاية الإيرانية التي سارعت إلى ملء الفراغ الناجم عن الإنسحاب السوري عن طريق ميليشيا مذهبية تمتلك جهازا أمنيا متطورا تسمّي نفسها «حزب الله«.

بين حرص الصادقين على «حركة الرابع عشر من آذار« والشامتين بها وبلبنان، يوجد فارق كبير. يعرف الحريصون على الحركة أنّ ما بدأ في الرابع عشر من آذار ليس سوى بداية. «لا ما خلصت الحكاية«، تقول إحدى أجمل الأغاني التي ملأت الأجواء في لبنان بعد استشهاد رفيق الحريري ورفاقه.

نعم، القصة لم تنته بعد. قصة اللبنانيين مع الذين يسعون إلى إعادة الوصاية ما زالت في بدايتها. الدليل على ذلك كل الجهود التي بذلت من أجل اعادة التاريخ إلى خلف. 

إنسحب السوريون من لبنان، لكنّ بقايا الأجهزة السورية سارعت إلى تنفيذ سلسلة من التفجيرات في المناطق المسيحية خصوصا. كان الهدف واضحا. كان مطلوبا إخافة المسيحيين وخلق فتنة طائفية رفض المسيحيون والمسلمون الإنجرار إليها. 

بدأت بعد ذلك موجة إغتيالات كان التركيز فيها على عدد من رموز المقاومة اللبنانية لثقافة الموت. إغتيل سمير قصير ثم جورج حاوي ثم جبران تويني ووليد عيدو وانطوان غانم وبيار أمين الجميّل. إغتيل أيضا كلّ من سعى إلى كشف الحقيقة بدءا بوسام عيد وانتهاء بوسام الحسن. كانت الضريبة التي دفعها اللبنانيون كبيرة. كان عليهم تحمّل إغتيال محمّد شطح. كان عليهم قبل ذلك، تحمّل النتائج المترتبة على حرب صيف العام وحرب مخيّم نهر البارد في الشمال، ثم الإعتصام في وسط بيروت، ثم غزوة بيروت والجبل، ثم حكومة «حزب الله« برئاسة سنّي من طرابلس هو نجيب ميقاتي.

هذا غيض من فيض ما تحمّله اللبنانيون الذين عليهم العيش في شبه عزلة عن العرب بعدما قرّر «حزب الله«، بتغطية من حكومته السعيدة الذكر، منع العرب الخليجيين من المجيء إليه.

بعد عشر سنوات على الرابع عشر من آذار، ما زال لبنان يقاوم، على الرغم من أنّه ممنوع عليه إنتخاب رئيس جديد للجمهورية يعلن التمسّك بـ«إعلان بعبدا« الذي كان وراءه رجل وطني هو الرئيس ميشال سليمان. هذا الإعلان يدعو إلى جعل لبنان في منأى عن الحريق الذي اندلع في الشرق الأوسط والذي يصعب التكهّن بحجم الأضرار التي سيخلفها.

تبدو الصورة داكنة. ولكن بعد عشر سنوات على «ثورة الإستقلال« الثانية، لا بد من التوقف عند ثلاث محطات. 

الأولى، أن إرث رفيق الحريري باق وذلك ليس في ظل وجود سعد رفيق الحريري الأمين على هذا الإرث فحسب، بل بسبب وجود أكثرية ساحقة من اللبنانيين لا ترى بديلا من مشروع البناء والإعمار الذي أسس له «أبو بهاء«. 

المحطة الثانية هي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي كشفت المجرمين. ستكشف المحكمة عاجلا أم آجلا من خطّط للجريمة ومن نفّذها بالتفاصيل المملّة… 

المحطة الثالثة هي الثورة السورية وهي ثورة مستمرّة مهما طال الزمن ومهما بذلت ايران من جهود مباشرة وعبر أدواتها لإنقاذ النظام الأقلّوي. فبغض النظر عن كل ما قيل ويقال عن التغيّرات التي طرأت على المشهد السوري في ضوء ظهور «داعش«، هناك نظام انتهى. 

تبيّن في النهاية أن الصيغة اللبنانية ليست «هشّة« كما يردّد بشّار الأسد وغيره. مثلما قاوم لبنان الوصاية السورية، سيقاوم الوصاية الإيرانية. وضع البلد في نهاية المطاف ليس أسوأ من وضع غيره في المنطقة، بل هو في وضع أفضل بكثير من آخرين. وهذا عائد إلى الشعب اللبناني الذي يقاوم مدّعي «المقاومة« و«الممانعة« الذين أخذوا على عاتقهم نشر البؤس في البلد بغية إخضاعه.