ليس مهمّاً توجيه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اتهاماً واضحاً وصريحاً بالأمس إلى إيران بأنّها «تهدّد الملاحة البحرية ولا تزال وهي من ارتكبت الهجوم ضد ناقلتي النفط في خليج عمان»، وليس مهمّاً أن يعلن مسؤول في البنتاغون بأنّ «التحقيق الأولي والأدلّة تؤكّد مسؤوليّة الحرس الثوري الإيراني عن الهجوم على ناقلتي النفط بخليج عمان»، وليس سرّاً هنا أنّ إيران سبق وهدّدت العالم ودول الخليج واضعة أمام الجميع معادلة «النّفظ مقابل النّفط»، المهمّ أنّه أمام هذه كلّها ماذا سيفعل هذا العالم المتفرّج، وقبل العالم كلّه ماذا سيفعل عرب الخليج المستهدفون مباشرة بالأمس في خليج عُمان، وأوّل من أمس في مطار أبها وقبلها في الفجيرة في الإمارات وبينهما تمديدات النّفط في السعوديّة؟! بصرف النّظر عن كلّ هذه السّؤال الذي يطرح نفسه هو هل تندلع حرب الخليج الرّابعة؟
لم يعد الحديث عن تهديد إيران لإغلاق مضيق هرمز مجرّد مناورة ورفعاً للسّقف في مواجهة العقوبات الأميركيّة، ودونالد ترامب الذي أمضى أشهراً في تهديد إيران وإرسال أساطيله إلى الخليج العربي تلقّى صفعة بالأمس من الخامنئي مرشد الجمهورية الذي استعرض أمام الشاشات رفضه استلام رسالة ترامب من الوسيط الياباني، الجميع متّفق على أنّ الأمور خرجت عن كونها تهديدات ورسائل حادّة، الأمور دخلت مرحلة تصعيداً ممكن أن تندلع معه معارك كبرى، مع الإشارة إلى أنّ إيران شبه مطمئنّة بأنّ عرب الخليج «أعجز» من أن يهبّوا لمواجهتها دفاعاً عن أمن منطقتهم، وهي شبه متأكدّة من تعقّل الأميركي بالرّغم من صخبه الشديد، وأنّه يحسب ألف حساب قبل التورّط في المنطقة!
سبق وهدّد الجنرالان قاسم سليماني ومحمد علي الجعفري أنّه سيتمّ تنفيذ تهديد إيران في إغلاق مضيق هرمز إذا دعت الحاجة، وسبق وهدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني من سويسرا الدول المجاورة لإيران «بقدرة بلاده على منع شحنات النفط من الدول المجاورة إذا ما استجابت الدول لطلب الولايات المتحدة بعدم شراء نفط إيران»، وبالرّغم من أنّ إيران حاولت إغراء دول الخليج ببيْعهم اتفاقية عدم اعتداء معهم، في محاولة مخادعة والتفاف علّها تدرء عن نفسها مقصلة العقوبات!
تشبه عقليّة «شمشون الجبّار»، ويبدو أن إيران تهدّد جيرانها ـ لا أعداءها ـ بحرق الأخضر واليابس، وهذا الخيار الانتحاري، هو خيار الحرس الثوري الإيراني فسقوط هذا النظام يعني سقوطه هو لا سقوط إيران كمنطقة وشعب موجودان عبر التّاريخ بصرف النّظر عن تغيّر الدول والحكّام، فنهاية الأنظمة أمر طبيعي، ولكن ما ليس مفهوماً هو هذه الرّغبة التدميريّة التي تفتك بعقل جمهوريّة ولاية الفقية، الأمر الذي يؤكّد أنّنا أمام فشلٍ مدوٍّ للمشروع الإيراني بالسيطرة على المنطقة العربية والعالم الإسلامي لاحقاً ونشر التشيّع الفارسي في أضخم مشروعٍ فارسي منذ زمن «الخليفة المأمون» وفشل الفرس في السيطرة على الخلافة العربيّة!!
لن تقبل إيران بأقلّ من اشتعال المنطقة متى ما استيقنت أنّ نظام الملالي ذاهب إلى الجحيم، تتصرّف إيران على طريقة شمشون في هدّ المعبد على رؤوس الجميع، ولن يكون كافياً بالنسبة لها إحراق منطقة الخليج ولا الشّرق الأوسط أيضاً، خلاياها ستتحرّك في كلّ العالم ولن تكتفي باستهدافات تحذيريّة لناقلات النّفط ولا في استهداف إمدادات النفط بطائرات درون ولا استهداف مطارات في دول الخليج العربي، إيران قادرة على إحراق المنطقة ولكن ما بإمكان العرب وحليفهم الأميركي أن يفعلوا؟ هل جُلّ ما يستطيعون فعله هو انتظار إشعال إيران لنيران الحريق في دولهم وخليجهم وثيابهم أيضاً؟!