مع اختتام الاستشارات غير الملزمة لتشكيل الحكومة الجديدة، وبعدما أدلى النواب بدلوهم أمام الرئيس المكلف.. تكون قد انتهت «نزهة» اليومين في المجلس، وبدأت رحلة الآلام التي ربما تطول او تقصر تبعاً لسلوك المعنيين بملف التشكيل.
لا جدال في أنّ تشكيل حكومة أصيلة، ولو لفترة قصيرة لا تتعدى الأشهر القليلة، هو خيار أفضل بكثير من تصريف الأعمال، ذلك أنّ أزمات البلد ومشاريع الحلول لها تتطلب وجود حكومة مكتملة المواصفات و»اللياقة البدنية» حتى تستطيع أن تخوض السباق مع الوقت والتحديات، إضافة إلى كونها تشكل «احتياطاً استراتيجياً» في السياسة لمواجهة اي فراغ رئاسي محتمل ومَلئه بـ»الكلمات المناسبة» اذا تعذّر انتخاب رئيس الجمهورية في الموعد الدستوري.
وللدلالة الى أهمية إنجاز التأليف، استعانَ احد السياسيين المواكبين لهذا الملف بالمثل المصري القائل: «ظل راجل ولا ظل حيطة»، مضيفاً مع تصرّف: «ظل حكومة أصيلة ولا ظل تصريف الأعمال في مثل هذه الظروف القاسية التي تتطلّب القدرة على اتخاذ القرارات».
لكن، وعلى رغم كل الأسباب الموجبة التي تستدعي التعجيل في التشكيل بعيداً من الحسابات الكلاسيكية والمقاربات التقليدية، كسباً لما تبقّى من وقت وفرص قبل أن يكتمل الانتقال من مرحلة الانهيار الى طور الارتطام.. الا انّ الحقيقة التي لن تغطيها مساحيق التصاريح العلنية هي أن التأليف فوق الانقاض لن يكون سهلا، بل ستتحكّم به نوازع فئوية ومصالح متضاربة كما لو ان الوضع طبيعي، خصوصاً ان القوى السياسية اكتسبت للتو شرعية شعبية من الانتخابات النيابية الاخيرة، وبالتالي هي تفترض انّ هذا التفويض يمنحها هامشاً واسعاً للتصرّف وفق ما تجده مناسباً.
وبعيداً من الاستشارات البروتوكولية التي تكاد ترشح زيتاً، يعرف الرئيس المكلف نجيب ميقاتي انّ أشغالاً شاقة تنتظره في الكواليس والزواريب، إن لم يحصل تبدّل جذري في نمط التعاطي مع استحقاق التشكيل، يُفضي الى ولادة عاجلة للحكومة الرابعة التي يُفترض ان تحمل اسم شهرته السياسية، ما لم تصح توقعات المتشائمين الذين يستبعدون ان ينجح في مهمته.
وتفيد المعلومات انّ ميقاتي سيعمد بعد استمزاج رأي رئيس الجمهورية ميشال عون الى وضع تشكيلة وزارية تُراعي مقتضيات التصدي لتحديات هذه المرحلة، وتحظى بقبول عون، اي انه لن يقدّم عرضاً للمناورة والتكتكة، بل هو يعوّل على زخم التشكيلة الأولى التي يأمل في أن يتم البناء عليها، وإلا إذا لم يحصل حدّ أدنى من التوافق حولها، فهذا سيكون مؤشراً الى ان الأمور ستتخذ منحى صعباً ومعقداً.
ويُنقل عن ميقاتي انّ أشد ما يزعجه ويقلقه هو الواقع الاقتصادي الاجتماعي وتداعياته المتفاقمة، لافتاً الى انّ هناك طرفين مظلومين كثيراً في هذا المجال، هما: موظفو القطاع العام الذين لا يزالون يتقاضون رواتبهم على اساس سعر 1500 ليرة للدولار، والدولة التي لا تزال تستوفي الضرائب على اساس السعر نفسه، بينما سقف الدولار أصبح فوق 25 ألف ليرة. ويضيف: تصوّروا أيضا ان نحو 500 سلعة تدخل الى لبنان وهي مُعفاة من الرسوم الجمركية كلياً وان أغلب الباقي من السلع يخضع لرسوم جمركية هزيلة.
ويلفت ميقاتي في سياق عرض الواقع المزري الذي يمر فيه البلد الى انه كان من الضروري على سبيل المثال تأمين البنزين للموظفين المعنيين بصرفيات الرواتب، من أجل أن يستطيعوا الانتقال الى مركز عملهم، مشدداً على أنّ الحال التي وصلنا اليها تستوجب التحلي بأعلى درجات المسؤولية.
ويوضح انه وعلى رغم بعض التصاريح والمواقف العالية السقف، الا انه لمس لدى الكتل خلال الاستشارات انّ هناك تَحسّساً بعمق الازمة واستعدادا للتعاون، «وانا من جهتي سأكون متعاونا الى أقصى الحدود ولست في صدد التحدي».
ويشدد ميقاتي، وفق ما يُنسب اليه، على أنّ الاولوية هي لوقف الانهيار والانتحار، معتبراً انّ «كثيراً من الحلول هي في أيدينا، والمطلوب فقط ارادة صادقة للبدء في تنفيذها»، مشيرا الى ان الرئيس نبيه بري أبلغ اليه بأنّ المجلس النيابي سيُقرّ عدداً من المشاريع الإصلاحية والمالية المحالة أمامه خلال شهرين.