IMLebanon

تفتيت المجتمعات العربية.. هدف أميركي أيضاً؟

ليس سرّاً أن تفسير طهران للاتفاق – الإطار الذي توصلت اليه إيران مع مجموعة البلدان الخمسة زائداً واحداً في شأن ملفها النووي، يختلف عن التفسير الأميركي للاتفاق نفسه.

يؤكد المسؤولون الإيرانيون من كبيرهم، إلى صغيرهم، أن مفهومهم للاتفاق – الإطار يتلخّص بأن التوصل إلى اتفاق نهائي، في غضون بضعة أسابيع، يعني رفع العقوبات الدولية فوراً وبشكل نهائي، على طريقة كوني فكانت. 

في المقابل، يردّد المسؤلون الأميركيون في كلّ مناسبة أنّ العقوبات سترفع تدريجاً وذلك بمقدار ما تلتزم إيران بنود الاتفاق ومع تحقق وكالة الطاقة النووية من ذلك.

يبدو الموقف الإيراني أكثر من مفهوم، إنّه تعبير عن رغبة في تسويق الاتفاق في الداخل من جهة، كما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية من جهة أخرى. إنّها أزمة زادت مع هبوط أسعار النفط الذي رافقه كلام لعدد لا بأس به من المسؤولين عن فشل الثورة الإيرانية في بناء اقتصاد ينمو ويتطوّر بعيداً عن النفط. وهذا يعني بوضوح أنّ إيران التي وعدت، بعد ثورة ، ببناء اقتصاد منتج صارت أسيرة النفط أكثر من أيّ وقت، أي أكثر بكثير مما كانت عليه الحال في عهد الشاه الراحل. 

هل من فشل أكبر من هذا الفشل؟ هل من دليل أكثر وضوحاً على أن النظام الإيراني في هرب مستمرّ إلى خارج للتغطية على أزمته الداخلية التي لا يستطيع معالجتها إلّا بالقمع والشعارات الطنّانة، طبعاً؟

هناك إذاً اختلاف إيراني – أميركي، خصوصاً أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها المعني المباشر بطي صفحة العلاقات المتوترة مع إيران منذ العام . ولذلك يبدو الرئيس باراك أوباما مستعداً للذهاب بعيداً في استرضاء الإيرانيين من أجل التوصل إلى الاتفاق النهائي في شأن الملف النووي. بالطبع، لا يستطيع أوباما، الذي بات يعتقد أن الاتفاق مع ايران وتطبيع العلاقات معها، سيدخله التاريخ، تجاهل الرأي العام الأميركي، خصوصاً الكونغرس حيث الأكثرية الجمهورية الرافضة لأيّ تساهل مع إيران.

هذا الاختلاف الإيراني – الأميركي لا يعني بأي شكل وجود تفاهم أميركي – عربي في شأن كيفية التعاطي مع إيران. غياب التفاهم العربي مع واشنطن قائم، على الرغم من أن كلّ الدول العربية تسعى إلى علاقات طبيعية مع إيران. عبّر عن ذلك وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد الذي تحدّث أخيراً بصراحة ليس بعدها صراحة عن «أنّ إيران لا تترك مجالاً لشركائها في المنطقة» من إجل إقامة علاقات «طبيعية وإيجابية ونموذجية». 

أشار إلى رغبة إيران المستمرّة في «تصدير الثورة». ايران تتدخل في غير منطقة عربية وحتى خارج المنطقة العربية ولا تكتفي باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث (أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) منذ العام ، منذ أيام الشاه. وهذا يعني في طبيعة الحال، أنّه لم يتغيّر شيء في إيران وسياستها التوسعية بعد الثورة. بل زاد وضع العلاقات سوءاً بين إيران وجيرانها في مرحلة ما بعد الشاه الذي كان يطمح إلى لعب دور «شرطيّ الخليج».

تختزل الإدارة الأميركية أزمات الشرق الأوسط بالملف النووي الإيراني. هذا ما حاول أيضاً الملك عبدالله الثاني تصحيحه في حديثه الأخير إلى «فوكس نيوز». قال العاهل الأردني مشيراً إلى المقاربة العربية المختلفة عندما يتعلّق الأمر بالملفّ النووي الإيراني: «لدى إيران الكثير من الأوراق منها ورقة الملف النووي التي تحمل مقداراً من الأهمّية للولايات المتحدة والتي تُناقش حالياً. لكنّ لإيران دوراً في العراق ويمكنها التأثير هناك، كما تدعم النظام في سوريا وتدعم «حزب الله» في لبنان وفي سوريا إلى حدّ ما. ولديها وجود في اليمن والقرن الأفريقي ولديها تأثيرها في أفغانستان. وهناك بعض التوتر بينها وبين باكستان على الحدود (بين البلدين). لذا، عندما تتعامل مع إيران، عليك أن تأخذ كلّ هذه الأوراق في الاعتبار لتفهمها جيداً. وكما أشرت، عليك أن تربط بين هذه النقاط كلّها. تعتبر كلّ العناصر التي ذكرتها عناصر عدم استقرار، وبالتالي يجب مناقشتها مع الأميركيين. لا يمكنك مناقشة كلّ مسألة على حدة».

باختصار شديد، الاختلاف القائم بين إيران والولايات المتحدة لا يلغي الخلاف العربي مع إدارة أوباما في شأن مقاربتها لأزمات المنطقة. هناك استعداد اميركي للدخول في صفقة مع إيران من دون التساؤل: ما الذي تفعله إيران في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، على سبيل المثال وليس الحصر؟ 

لنضع جانباً احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث ورفضها التفاوض في هذا الشأن، من المستغرب امتناع إدارة أوباما عن أخذ علم بالبديهيات. في طليعة البديهيات هذا الإصرار الإيراني على رفع العقوبات فوراً وعلى عزل الملف النووي عن أزمات المنطقة التي تتسبّب بها؟ ماذا تفعل إيران في العراق؟ كيف يمكن أن تدعم نظاماً يقتل شعبه يومياً في سوريا؟ لماذا تعتمد سياستها في لبنان على ميليشيا مذهبية مسلحة تمنع الوطن الصغير من تحقيق أي تقدّم في أيّ مجال كان، بما في ذلك انتخاب رئيس للجمهورية يعمل من أجل رفاه ابناء بلده؟

لا حاجة بالطبع إلى شرح ما تقوم به إيران في اليمن، بما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيم البلد وتفتيته وتشجيع «القاعدة» على التمدّد في كلّ محافظات هذا البلد الفقير الذي يعاني أوّل ما يعاني من التخلف والفقر. هل في استطاعة إدارة أوباما الفصل بين النشاط الإيراني في اليمن، وهو نشاط مستمرّ منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة… والأزمة العميقة التي يعاني منها البلد؟

ليس الموضوع موضوع الملفّ النووي الإيراني والعقوبات المفروضة على إيران. الموضوع هل إيران دولة طبيعية أم لا؟ هذا ما يفترض في الإدارة الأميركية النظر فيه في حال كانت تبحث عن الاستقرار في الشرق الأوسط وتريد العمل على ترسيخه. إما مقاربة شاملة للدور الإيراني على الصعيد الإقليمي وإمّا غرق في تفسير نص الاتفاق – الإطار الذي تمّ التوصل إليه. مثل هذا النقاش لا طائل منه ولا يصب سوى في محاولة أخرى لإيران من أجل استخدام أيّ أموال تأتيها من رفع العقوبات للاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية بغية تفتيت المجتمعات العربية، وهو هدف إيراني بحدّ ذاته… هل هو هدف أميركي أيضاً؟