IMLebanon

حين يُركّز “التيار” غضبه على المناطق المسيحية

 

كل شيء وكل فعل وكل إعتراض مؤامرة

 

غريبٌ أن يستنفر “التيار الوطني الحرّ” الذي طالما فاخر بشعار “نزل التيار ع الأرض” على التظاهرات التي تجري على مساحة جغرافية محددة جداً، تمتدّ من بعبدا الى البترون ليس إلا، محدداً الفاعلين بأنهم “قوات”. وملفتٌ أن يعقب إستنفاره ببيانٍ ضمّنه كلمات من نوع: “حركات مقززة” و”إرتكابات بشعة” و”قلة أخلاق” و”ارتكاب الموبقات”! فهل يصحّ للتيار ما لا يصحّ لغيره؟ وهل عيبٌ أن “ينزل قواتيون ع الأرض” ليشاركوا في اعتصامات تطالب بدولة وسيادة ورغيف ودواء وعدالة وكهرباء؟ ومن يؤكد أن من هتفوا “وحدا بتحمي الشرقية القوات اللبنانية” من القوات لا من المتسلّلين؟ وهل سيبقى التيار يرتدّ، في كلِ مرّة يجد فيها نفسه ضعيفاً، على المناطق المسيحية فقط وكأن حدود العهد مداها بين بعبدا والبترون؟ وهل هجوم “التيار” على “القوات” يندرج في خانة إستعادة “سيمفونية” حقوق المسيحيين؟

 

لو كان سمير فرنجيه ما زال حياً وسألناه عن المشهدية المتجددة لقال ما قاله يوم نادى المسيحيين قائلاً: “خلاصكم رهن بذكائكم”، ولسأل مجدداً ما سأله في حينه: كيف تحولنا، نحن المسيحيين، من جماعة عملت على مراجعة نفسها واستخلاص العبر والدروس من تجاربها الى فئة تسجن نفسها في الماضي؟ وكيف تحولنا من جماعة لها دور أساسي في قيام أول دولة حديثة وديموقراطية في العالم العربي الى جماعة لا همّ لها سوى تأمين “حقوق” لها في الدولة؟ وكيف تحولنا من جماعة تميّزت بالإنفتاح على العالم والتواصل معه مباشرة الى أقلية منغلقة على نفسها في مواجهة مع المجتمع الدولي والغرب والعرب. وقابلة لأن يضعها من يدعي تمثيلها في دائرة الإستخدام لنظام إيراني تحكمه سلطة مطلقة باسم الدين وتجاهر بسعيها لإقامة “شرق أوسط إسلامي جديد”؟.

 

سمير فرنجية، أحد رجالات الإستقلال الثاني، مات قبل أربعة أعوام . وتاريخ 14 آذار يحلّ بعد يومين. ولبنان انزلق الى هاوية سحيقة. فما رأي “التيار” و”القوات”، ومن هم بين بين، بالعلاقة غير السويّة بين الطرفين المسيحيين الأقويين؟

 

الدكتور ناجي حايك، الناشط في التيار الوطني الحرّ، “طيّب”. لا يختلف اثنان طبعاً على ذلك. لكن، بعيداً من الطباع كيف يقرأ الطبيب في السياسة العلاقة المتأزمة بين القوتين المسيحيتين؟ وهل القوات وحدها (هذا إذا سلمنا جدلاً أنها فعلت) من قطعت الطرقات؟ يجيب “نحن والقوات في منطقة واحدة، على تماس، نقرأ في خطابها السياسي المعادي الفظيع، ونراها لا تتعرض إلا لنا ولا تحتجّ إلا على أدائنا. وطبيعي أن نحافظ على أنفسنا. خصوصاً أن الوقاحة أوصلت القوات حدّ المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية. وهذا غير مقبول أبداً”.

 

من كلام حايك نكتشف أن اتهام التيار القوات ينطلق من مجرد “ردّ الصاع صاعين”! ولكن، ألا يعتبر الناشط في التيار الوطني الحرّ أن القوات قد تكون تهاجم، من خلال التيار، السلاح غير الشرعي؟ يضحك كثيراً لمثل هذا الكلام قائلاً “هذه خبرية خنفشارية” ويستطرد “مع إحترامنا لأنفسنا لسنا نحن من نغطي سلاح “حزب الله”. حلّ مسألة هذا السلاح أكبر منا فلا تحملونا المسؤولية. هناك من يصرون على تسجيل نقاط علينا في هذه المسألة علماً أن “صوفتي حمراء” وجمهور “حزب الله” “بيفلت” في كل مرة على ما اقول ومعه أشخاص من التيار الوطني الحر من خلفيات يسارية”.

 

ناجي حايك يحكي في أمور كثيرة ليعود بعدها ويقول “أنا مع التوافق المسيحي “للآخر” وأنا متهم أني قواتي. وأنا من عرّف ملحم رياشي على جبران باسيل وفخامة الرئيس”.

 

فلننتقل الى معراب، لنعرف من مصدر فيها، أبعاد إصرار التيار الوطني الحرّ على تحميل القوات كل الأخطاء و”الموبقات” وقطع الطرقات؟ يجيب “لا تعتبر القوات نفسها أبداً في مواجهة مع التيار الوطني الحرّ، خلافاً لكل محاولات إستدراجها أو الدفع بها في هذا الإتجاه، من خلال الفبركة والتضليل وأخذ النقاش الى مواجهات مباشرة، على غرار ما يقوم به التيار حين يشتبك مع المستقبل محولاً المواجهة الى أزمة مسيحية – سنية، وحين يشتبك مع جنبلاط يحول المواجهة الى أزمة مسيحية – درزية. وها هو يحاول الآن جعل المواجهة أزمة مسيحية – مسيحية”.

 

القوات تؤكد أن أي نشاط تقوم به، أو قد تقوم به، ليس موجهاً مباشرة الى “التيار” ولا الى “العهد”. فهمّ القوات أكبر وأوسع. وهي تردّ حيث تجد ضرورة للردّ. ويقول المصدر “مواجهة جبران باسيل هي مع جميع الثوار. وهو يحاول من خلال مواجهاته المفتعلة حجب أنظار الناس عن الأزمة والإشكاليات الحقيقية. هذا هو العقل المؤامراتي للقول إن كل من يتوسل الشارع يرتكب مؤامرة كونية ضدّ العهد. هذا عقل بعثي لا ينتمي بصلة الى الديموقراطية اللبنانية. هذا العقل نفسه يصوّر ارتفاع الدولار على أنه مؤامرة مالية مصرفية لا بسبب سوء الإدارة”.

 

ما رأي القيادي السابق في صفوف العونيين الناشط السياسي الياس الزغبي؟ يجيب “سلوك تيار العهد يكشف مدى عزلته القاتلة والخطيرة ضمن بيئته وتتظهر أكثر من خلال ارتداده دائماً ضد خصومه في السياسة ضمن البيئة التي حصر نفسه فيها. فها هو رئيس الجمهورية يمارس سياسة كيدية ضمن بقعة جغرافية محصورة تمتد من بعبدا الى البترون وقد تصل الى أبعد الى زغرتا، وكأن تياره يمارس تقسيماً فعلياً واقعياً ولا يهمه من الأزمة اللبنانية إلا إعادة لملمة وترميم خسارة شعبيته في المناطق المسيحية. ولو قدّر للإنتخابات أن تجرى الآن كان ظهر جلياً إفلاسه. لذلك حين يشعر تيار العهد بوطأة الأزمة ينسى كل أطرافها الآخرين من “حزب الله” ونبيه بري والمستقبل ووليد جنبلاط ويركز غضبه وكيديته على المنطقة المسيحية”.

 

يرى الزغبي “أن إفلاس تيار العهد مزدوج. فمدى التيار الحيوي تقلص الى جل الديب والذوق، وتحوّل عهد ميشال عون الى شرنقة دودة قز في حالة موت وحصار وعزلة خطيرة من جهات ثلاث:

 

أولاً، من جهة بكركي بما ترمز إليه من قيمة تاريخية للمسيحيين.

 

ثانياً، من جهة الأحزاب السيادية وخصوصاً القوات اللبنانية.

 

ثالثاً، من جهة قيادة الجيش.

 

هذا المثلث يجعله يشعر بأنه وقع تحت الحصار الداخلي ويتجلى في صراخ التيار. فالطرف الذي يشعر بالوجع يصرخ. وبيانات العهد تعكس خطورة المأزق. وهو في المقابل يغرق أكثر في تورطه مع محور “حزب الله”.

 

وماذا عن الحلّ من خلال قراءة الزغبي؟ يجيب “الحل لن يكون إلا من خلال مبادرة بكركي على أن تتكامل مع مبادرة القوات اللبنانية في إعادة إنتاج السلطة من مجلس النواب وصولاً الى رئاسة الجمهورية. وبالتالي لا بُدّ من تزويج المبادرتين إذا أردنا إيجاد الحلّ”. نعود الى معراب لنسأل: هل ما نراه بالفعل محاولة من تيار العهد لمحاصرة من يرى أنهم يحاصرونه مسيحياً؟ يجيب المصدر “المشكلة يفترض أن تكون أبعد من حدود الإشكال مع القوات وبكركي لتتمحور حول كيفية إخراج لبنان من هذا الإنهيار. وهو حين شعر أن الأزمة الوطنية أصبحت أكبر من أي إمكانية لمعالجتها وأيقن أن الإنتفاضة الشعبية العابرة للطوائف لم تعد تريد هذه السلطة ارتدّ الى الداخل المسيحي لأنه يعتبر أنه من خلال شدّ العصب المسيحي سيكون قادراً أن يحافظ على مكمن قوته الأساسية. إشتباك العهد دائماً من طبيعة طائفية لأنه يريد القول إنه يريد شدّ العصب المسيحي الذي من خلاله يستطيع أن يحافظ على ما تبقى من وضعية شعبية لديه، لهذا لجأ التيار الى الخطاب الذي استخدمه تجاه القوات لأنه أصبح مضطراً للعودة الى المربع المسيحي ولا يمكنه ذلك إلا من خلال مسارين:

 

أولاً، إعتماد لغة مسيحية متطرفة لشدّ العصب المسيحي وتخويف المسيحيين.

 

ثانياً، مواجهة القوات اللبنانية لأنها تشكل الخطر الأساسي عليه. ويعرف الجميع أن القوات تشكل خطراً كبيراً عليه لأنها تمكنت من إسقاط كل محاولات أبلستها التي مارسها التيار الوطني الحر منذ العام 1988 حتى اليوم. أسقطت القوات كل تلك المحاولات وكل الأكاذيب والأضاليل التي فبركها هذا التيار. وهو أيقن أن القوات تحظى بتمدد مسيحي ولبناني، في حين يهبط هو بمسافات. فبالقدر الذي تكبر فيه القوات يتراجع هو ويخسر كل فلسفته ومنظومته ووضعيته”. نعود الى الناشط في التيار الوطني الحر لسؤاله عن الحلّ الذي يراه؟ يجيب “الحل لن يكون إلا بتشكيل الحكومة وإنشاء لجنة تواصل مع القوات لكن يبدو أن القوات لا تريد هذه اللجنة لأنها تنتظر موت العهد على قاعدة “فلنتركه يموت فنرثه”. لذا نقول لها: لا، لا يمكنك ان ترثي أحداً لأن لا أحد يموت في السياسة. فها هو حزب الأحرار لم يمت ولو قُدّر لدوري شمعون ان يشدّ نفسه قليلاً لعاد وأخذ دوراً. ويستطرد حايك بالقول: خلقوا “دباً” كبيراً إسمه “حزب الله” ليحمّلوا التيار مسؤولية سلاح هذا الحزب متناسين من سلم لبنان لسوريا ذات يوم”.

 

ما رأي الياس الزغبي بكل هذا الكلام ولا سيما أننا ندنو من ذكرى 14 آذار؟ يجيب “الخطوة الصحيحة نحو الحلّ لن تكون إلا من خلال مؤتمر دولي يجعل من كل اللبنانيين سواسية. حينها يصبح سهلاً الوصول الى صيغة حياة جديدة وليسموها ما شاؤوا وتتمحور من اللامركزية الشديدة الى المفتوحة. فالحلّ يتطلب إرادة حرّة وحضانة دولية وعربية. وطبيعي أن يمرّ لبنان في سبيل تحقيق ذلك بجلجلة اللهمّ ألا تكون جلجلة أمنية. ويستطرد بالقول: يبدو أن الجميع منتبه حتى هذه اللحظة الى وجوب عدم الدخول في صراع أمني بدليل ان التوتر يصل الى حد التوتر لا الصدام، لأن لا أحد قادراً على الصدام الآن والقيام بنسخة جديدة من 7 أيار. فهناك نوع من التوازن تصنعه الأحزاب السيادية التي ولدت في 14 آذار من دون ان تقصد ذلك. فروحية 14 آذار لم يستطع أحد القضاء عليها. وهذا هو السرّ العميق للتوازن الكامن في الروح السيادية”.

 

نتابع لغة “السوشيل ميديا” فنجد هاشتاغات كثيرة تطال فريقاً مسيحياً دون سواه. نراقب أصحاب التغريدات فنراهم يتبعون طرفاً غير مسيحي ويروجون لهاشتاغ “الثورة_شماعة_القوات. نتابع أحدهم فنجده قد كتب للتوّ: ها نحن جند الله. ها نحن “حزب الله”. نوفي بما قلناه لا ننحني لا ننثني إلا أمام الله. “حزب الله” حامي أعراضنا. ومن مثل هذه الحسابات نفهم الكثير.