IMLebanon

“الحزب” أكل “التيار” ويمكن أن يرميه في أي لحظة

 

“الصوت الثاني” في “التيار الوطني الحرّ” والعلاقة مع باسيل

 

 

يكلّف الرأي الشخصي كثيراً ضمن العمل الحزبي في لبنان؛ إذ لم يتدرّب مناصرو الأحزاب بشكل عام كفاية بعد على مفاهيم الديموقراطية والتمايز في المواقف. فكيف يمكن التمايز في الرأي والموقف مع ضمان استمرارية الانتماء إلى حزب أو تيار، “يشخصن” رئيسه العمل السياسي كما هي حال الوزير السابق جبران باسيل؟

 

يحظى عدد من الناشطين في التيار العوني من المقربين من شخص جبران باسيل بمراكز متقدمة ضمن الحالة الباسيلية، وهؤلاء يميزون أنفسهم من الذين سبقوهم ممن استقالوا أو فصلوا بأنهم يعملون من أجل التغيير من الداخل، لأن من يرفض الانضواء تحت لواء الموقف الأوحد لشخص رئيس “التيار” لا تعود له علاقة بـ”التيار”! علماً أن الاستماع إلى الرأي الآخر أكان من ناحية الملاحظات على العمل التنظيمي أم بالنسبة إلى القضايا الوطنية والسياسية الكبرى غير وارد؛ فهناك بيانات تسبق الاجتماعات التي من المفترض أن يحضر لها بدعوة يليها نقاش، وعلى أساسه تصاغ البيانات.

 

هذه الشريحة من الفاعلين الحزبيين ممن يشكلون الحلقة المحيطة بنواب وقياديين ووزراء لم ينسحبوا من “التيار”، وإن كانت القيادة الحزبية خاضعة لإرادة فردية يمثلها جبران باسيل؛ لأنها ترى نصب عينيها هدفاً أصيلاً يجب العمل على تحقيقه وهو بناء الدولة؛ فلئن كان هذا العصر “عصر باسيل”، فهو يشكل مرحلة ظرفية لا شك أنها ستأفل! ولا سيما أن ثمة نقاط استفهام عديدة تثار حولها، لذلك لا يتخذون قرار ترك الحزب، بل يجهدون لبناء حيثية لهم تمكنهم من التغيير من “داخل البيت السياسي الواحد”. ويضرب هؤلاء المثل بالانتخابات الداخلية عندما تنافس باسيل والنائب آلان عون، قبل أن ينسحب الأخير، ليضعوا قرار عون بالانسحاب في خانة التصرف غير الديمقراطي مفضلين البقاء والاستمرار بالمحاولة. فهذا، برأيهم، هو مبدأ العمل الحزبي. وتصف الجبهة “المعارضة” في “التيار” غير المستقيلة العلاقة بجبران باسيل بأكثر من جيدة، حتى إنهم ينقلون إشادة باسيل بهم في جلساته المغلقة شرط ألا يصرحوا للإعلام، أو يحاولوا نشر غسيل الحزب. وقد درس عدد كبير من هؤلاء الأعضاء شخصية باسيل، وباتوا يتقنون “إتيكيت” التعامل معه، فينقلون تكتيكات “لياقات التصرف” الباسيلية الى الأجيال الجديدة من الوزراء، ولعل من أبرزها: عدم المس بأي موظف في وزارة الخارجية، أو وزارة الطاقة، أو أي وزارة كان فيها محسوب على باسيل، وهذه عينة بسيطة من “الامتيازات الجبرانية”!

 

وتتفق المعارضة والموالاة في “التيار الحر” على مناهضة اتفاق الطائف؛ دستور الطائف غير مقبول، ويجب تعديله بتحسين الموقع الرئاسي وفق ملاحظات تحظى بإجماع شبه تام بين العونيين وباسيل، وكأن هذا الإجماع مبدأ “عوني” رسمت حوله استراتيجية الحزب، حتى لو كانت تصرفات الحزب واقعية وتجاري الطائف من ناحية خوض الانتخابات بناءً عليه. فتغييره “شطارة”، وهو يرسم مسار معركة طويلة الأمد تهدف الى رفع الغبن عن مجموعة لبنانية، أو تحسين صلاحيات الموقع الدستوري الأول ألا وهو رئاسة الجمهورية. يوحد العونيون خطابهم بالكلام على الطائف معارضين أم موالين لباسيل؛ فالنظرة إليه كمؤتمر أدى الى توصيات تصطدم باقتناع أن النواب الذين تابعوا الإجراءات في لبنان، وأقروا التعديلات الدستورية هم من تنازلوا بالاستناد إلى مطالب كانت من أسباب الحرب التي اتخذت طابعاً إسلامياً مسيحياً، فجرى التركيز على صلاحيات رئيس الجمهورية لأن المسلمين شعروا بالقمع مع ميل ميزان القوى نحو نهج رئاسي، لهذا – حسب تعليلهم – اتفق على زيادة عدد النواب المسلمين ليعادلوا عدد المسيحيين.

 

“براغماتية” الخطاب الوطنيّ

 

تُناقض النَّظرةُ إلى “الموقع المسيحيّ” على أساس المحاصصة الطّائفيَّة النَّظرةَ إلى الطّائف الَّذي ينصّ على بناء دولة مدنية، بل تُناقض تلك النَّظرةُ الرَّأي “العلمانيّ” في “التيّار الحرّ” الَّذي يمتعض من التَّركيز على الحقوق المسيحيَّة، ليس لأنَّه يميل إلى المسلمين، بل لأنَّ الرّؤية لديه مصوّبة نحو بناء الدّولة المدنيَّة، وإن لم يبدُ واضحاً كيف يمكن بناء هذه الدّولة المنشودة؟ وكيف يمكن تعديل هذا الطّائف قبل تطبيقه؟! فهذا الواقع يعني عمليّاً أنَّ أبناء هذا الحزب لم يبلوروا بعدُ “الصّورة” الوطنيَّة الواضحة، بعيداً من البراغماتيَّة السّياسيّة الَّتي تُبيح معايشة الأمر الواقع حسب المنطقة؛ ففي المنطقة الَّتي تغلب فيها أكثريَّة مسيحيَّة تخطّط الماكينات الحزبيَّة نسبةً إلى المنطق الطّائفيّ وزواريب سياسة المناطق والعائليّة السّياسيَّة، الَّتي يعترف مقرّب لصيق من باسيل بأنَّ الحزب غير قادر على التَّخلُّص منها، على الرّغم من كلّ الجهد الَّذي بُذِل في محاربة ما يسمّيه المناصرون “الإقطاعَ”، وهذا بالتَّحديد ما يثور عليه عدد كبير من المحازبين الَّذين يموّلون “التيّار” ويطمحون إلى دخول “جنَّة” لوائحه البرتقاليَّة، ولكن لا يجدون مكاناً لهم بفعل سيطرة العائلات الَّتي حتّى إنّها ليست “تاريخيَّة”،؛ لأنَّ عدد أبناء العائلة كبير ويزن في ميزان الانتخابات النّيابيَّة. وعندما التقت “نداء الوطن” عيّنةً من المحازبين في مكاتب “التيّار الوطنيّ الحرّ”، لاستصراحهم حول حقيقةٍ مفادها أنَّ التيّار يخسر خطابه الوطنيّ نتيجة عمل الماكينات الانتخابيّة بشدّ العصب المناطقيّ – الطّائفيّ، لم يتوانوا عن الدّفاع عن أنفسهم بأنَّ مفهوم “المواطنيَّة” يصلح فقط للجمعيّات قائلين: “الَّذي يريد أن يعزّز المواطنيَّة فليذهب الى الجمعيّات”!

 

هذا التَّناقض داخل التّيّار بين الثَّورة على الطّائف “لأسباب طائفيَّة” و”علمانيَّة الصَّوت الثّاني” يضعف من موقف الجبهة المعارضة بما يؤدّي إلى عدم الإنصات إلى صوتهم؛ فيتحوّلون بذلك إلى مجرّد أفراد في خلوة مع باسيل في ظلّ غياب كلّ حلفاء هذا الفرد الشّجاع الَّذي يتجرَّأ بالتَّعبير أمامه.

 

نائب رئيس “التيار الوطني الحرّ” لشؤون الشباب “منصور فاضل” يقيّم هذه المعلومات، فيرى أنَّ “التيار الوطني الحرّ” حزب سياسي موحّد على صعيد لبنان، وأنَّ تنوّع الآراء واختلافها داخله لا يمثّل القرار السياسي للحزب واضعاً هذا الكلام في سياق “النقاش الفكري”، آخذاً في الحسبان أهمية الخطاب المحلي الذي لا يغيّر في الموضوع السياسي الوطني، ومؤكّداً أنَّ الحرّ يسعى الى الدولة المدنية، ويؤمن بالتعددية، ومن ثَمَّ فهو لا يطالب بالفدرالية والتقسيم، بل يدعو الى دولة واحدة؛ إلّا أنَّ الاختلاف في العادات والتقاليد وبعض الثقافات يرتّب علينا السعي إلى الدولة المدنية، مرتكزين الى الدولة اللامركزيَّة مع قانون موحّد للأحوال الشخصية لتتعايش المكونات المجتمعية بعضها مع بعضٍ، ويحافظ لبنان على هُويَّته الثقافية وعلى الإختلاف فيه.

 

شدّ العصب المناطقي أفشل العمل النيابي

 

جوّ الناشطين في الحزب ينشدّ إلى أن يتزعَّم أيَّ حراك داخليّ نائبٌ حتى لو كان فكره معارضاً للفكر السّائد، وكأن النائب هو ضابط الإيقاع بين لجان المناطق، فيتفرغ لاستقبال اللجان في المناطق الشعبية أو تمويلها، حتى إن بعض المحازبين يستعينون به إن طافت مياه المجارير، وهذا ما يضعف العمل التشريعي المجيّر للنائبين إبراهيم كنعان وآلان عون في شكل عام. فالتركيز تشريعياً على هذين الاسمين عزَّز التململ من أداء النواب الآخرين في الحزب. فهذا النائب عالق بين تلبية مطالب الأحياء الفقيرة التي يتعذر عليه أحياناً تحصيلها وإرضاء “النخبة” السياسية، فأصبح في نظر مقرَّبين من باسيل “تكتل لبنان القوي” مقسوماً الى اثنين. لذلك هناك من ينصح بعدم الإكثار من عدد النواب من أجل العدد؛ على قاعدة أنَّه كلّما زاد العدد زادت الزواريب السياسية وضاع العمل التشريعي، الذي على أساسه يحاسب النائب الذي هو غير قادر حتى على المحاسبة بدوره لعدم فصل النيابة عن الوزارة. يستنكر عدد من المسؤولين في المناطق حقيقة أنَّ لـ”التيار” ربع المجلس لأنه يستعير نواباً لا علاقة لهم بالحزب تنظيمياً! لا، بل حصلوا على بطاقة حزبية للترشح فحسب مقترحين أن يخوض الحزب لائحته بمحازبيه، وبعد ذلك في المجلس ينتقلون إلى القيام بتحالفات سياسيَّة.

 

التناقض في العلاقة مع “حزب الله”

 

ينسحب هذا التناقض في الخطاب على العلاقة مع “حزب الله” التي بدأت مع ورقة التفاهم، وعلى الأخطاء في التطبيق والتعامل معها، وفق تقييم مجموعات متنوعة من مختلف المناطق التي تشعر أن “الحزب” أكل “التيار”، ويمكن أن يرميه في أي لحظة. يدعّم هذا الرأي نظرة أخرى إلى كيفية استثمار “الحرّ” ورقة التفاهم؛ فبنظرهم عند توقيع الوثيقة رُمِيَ بها على الرف مقابل الغطاء الوطني تحت “شعار” الخطاب الوطني، الذي حوّل الناشطين عبر الإعلام مجرَّد مدافعين عن “حزب الله” ومبرّرين لما يقوم به.

 

يخطّئ هؤلاء رئيس الجمهورية ميشال عون في إقدامه على خطوة ورقة التفاهم ليلتزمها وحده، مقابل الاكتفاء بالحصول على موقف سياسي داعم له رئيساً للجمهورية. لكنَّ مصدراً مقرّباً من جبران باسيل يرفض هذا المنطق ليؤكد أن العلاقة مع “حزب الله” أتت وفق وثيقة التفاهم، وتحولت إلى تكامل وجودي ووطني لا غنى عنه.