يتعامل «التيار الوطني الحر» مع تكليف حسان دياب لتشكيل الحكومة من زاوية المنتصر، فالأمور تقاس بالنهايات، والتعنّت الذي عبّر عنه الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومة، هو الذي أوصل الأمور الى ما وصلت اليه، والمسؤولية لا تقع على «حزب الله» ولا على «التيار» ولا على الرئيس نبيه بري الذي جهد للحظة الاخيرة لثني الحريري عن قراره، لكن «سبق السيف العَذل».
توجز أوساط «التيار» مجموعة من الأخطاء اعتبرت أنّ الحريري اقترفها، بحق نفسه وشركائه، وأبرزها:
أولاً: غَطّى خرق اتفاق الطائف، ولم يعترض على الكلام الذي صدر من دار الفتوى حول اتفاق الطائفة السنية على اختياره وحيداً لتشكيل الحكومة، وهذا إلغاء للقيادات السنية الأخرى وإنكار لنتائج الانتخابات النيابية التي أنتجت ثلث النواب السنّة خارج العباءة الحريرية، وتشير الأوساط الى أنّ «تطيير» اتفاق الطائف اذا ما أصبح وارداً «فنحن جاهزون للمناقشة».
ثانياً: إنطلق الحريري في سعيه لتشكيل الحكومة من منطق إلغاء نتائج الانتخابات النيابية، والتصرّف بشكل أحادي كأنه لا وجود لقوى سياسية وازنة في البرلمان، وطوال فترة المفاوضات لم يقدّم أي تصور لأيّ تشكيلة حكومية، ولم يقبل مجرد النقاش في صحة التمثيل، وانتقل من رفض الى رفض. وما لا يعرفه الجميع انّ الوزير جبران باسيل وصل الى حد قبول أن يكون خارج الحكومة، اذا كانت حكومة تكنو-سياسية، لكنّ الحريري رفض هذا العرض أيضاً، وأصرّ على أنه هو الذي يشكل الحكومة حصراً، من دون أن يأخذ في الاعتبار صحة التمثيل، واعتمد بذلك على اعتراض دار الفتوى المخالف للدستور، وهذا ما أخرجه من السباق الى تشكيل الحكومة.
ثالثاً: أخطأ الحريري في قراءة الموقف الدولي، فاعتقد أنه سيرفض تشكيل أي حكومة إلّا برئاسته، وهذا ما يدحضه تكليف دياب الذي يحظى بقبول اميركي واوروبي، والذي لم يُسمَ من دون هذا القبول. وفي هذا الاطار لا يمكن قراءة الموقف الاميركي الا من خلال الاصرار على اتمام زيارة السفير ديفيد هيل لبيروت على الرغم من تسمية دياب، إذ كان تأجيلها او إلغاؤها ممكناً، لكنّ الزيارة حصلت، وجدول أعمالها يتركّز على الوضع الداخلي وترسيم الحدود البحرية، التي يعرف الاميركيون أنها لا تتم إلّا عبر مؤسسات الدولة، فالترسيم بناء على مفاوضات ثلاثية الأطراف (لبنان، أميركا، فلسطين المحتلة) يسلك لبنانياً مسار المؤسسات، والمفاوضات يقودها رئيس الجمهورية، والختام اذا نجحت في مجلس النواب، حيث يفترض ان يصادق عليها المجلس كاتفاقية دولية، علماً أنّ الجديد في ملف التنقيب الموازي للترسيم، أنّ شركة «توتال» الفرنسية أعطت وعداً للبنان بالتنقيب في نقطة بحرية لا تبعد أكثر من 25 كيلومتراً عن الخط المتنازَع عليه.
رابعاً: أخطأ الحريري في نظر «التيار» في التركيز على منع توزير باسيل، علماً أنّ الأخير كان قد اتخذ قراره منذ البداية بأنّ وجوده في الحكومة ليس شرطاً ضرورياً لتشكيلها، إلّا اذا كان التوزير ضرورياً لمنع تحويله «كبش محرقة» للحراك. والدليل، تضيف الاوساط، أنّ باسيل لن يشارك في حكومة دياب، وان كان تفاهم معه على احترام نتائج الانتخابات في التشكيل، وعلى مراعاة مطالب الحراك الذي من المفترض تمثيله بـ3 وزراء.
يتصرف «التيار» على أنّه كسب جولة مهمة، بتسمية دياب، حيث سقط الرهان على إسقاط عهد الرئيس عون بالفراغ الحكومي الطويل، كما سقط رهان إلغاء الحضور السياسي لـ«التيار» في الحكومة، وينتظر ان تتشكّل الحكومة بسرعة، بعد انتهاء مشاورات الرئيس المكلف مع الكتل النيابية الاثنين، على ان «تدوزن» توازنات الحكومة الجديدة التي ستكون حكومة تكنو-سياسية بحسب «التيار»، تماماً كما طالب «التيار» منذ استقالة الحريري الى اليوم.