تتناول الوسائل الإعلاميّة التابعة لمحور الممانعة في هذه المرحلة العلاقات المتعثرة التي تربط مكوّنين أساسيّين في قلب هذا المحور أي «حزب الله» و»التيار العوني» طبعاً، النفي المتكرر لـ»التيار» عن إنضوائه في هذا المحور دون جدوى طالما أنّه ينتظم في صفوفه في المحطات الاستراتيجيّة والمنعطفات الكبرى، وطالما أنّه «يُسلّف» حليفه مواقف مركزيّة ترتكز إلى أدبيّات «حماية المقاومة» وسوى ذلك من الشعارات التي تقوم عليها فكرة المحور برمته من بيروت إلى طهران مروراً بدمشق.
قلّما إكترث «التيّار» في العمق للمفاعيل السلبيّة التي كانت تتولد جرّاء تنكّره لتاريخه ولشعاراته ولنصوص «الكتاب البرتقالي» الذي سحبه من التداول (كما سحب كتاب «الإبراء المستحيل» عندما عقد الصفقة الرئاسيّة مع «تيّار المستقبل»، متنكراً لكل الصراع السياسي القديم بينهما). المهم أنّ تكون مصالحه الآنيّة مؤمنة.
وارتدى هذا المسار الانهزامي أمام المحور ثوباً أكثر خطورة عندما إنتخب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة في العام 2016 محققاً حلمه القديم بالدخول إلى قصر بعبدا، وقد كلّف هذا الحلم العديد من الحروب الدمويّة والنزاعات العسكريّة (حربا «التحرير» و»الإلغاء»)، ومن ثم تطبيق سياسات التعطيل المؤسساتي في الحقبة التي تلت عودته من منفاه الباريسي الأنيق في العام 2005.
في الاستحقاق الرئاسي، تختلف الرؤى بين الطرفين. الخلاف ليس على المبادئ حتماً إنما على الأشخاص. فجأة، استفاق «التيّار» أن المطلوب في هذه اللحظة السياسيّة العودة إلى «مشروع بناء الدولة» وأن الأولويّة ليست لـ»الحفاظ على المقاومة». ولكن، السؤال هو: لو تقاطع الموقف السياسي بين الفريقين في اختيار شخصيّة معيّنة للرئاسة، هل كان النقاش حول «مشروع بناء الدولة» سوف يُستعاد ويُستخدم في إطار الاستهلاك الشعبوي المعهود؟
ثم، ألا يحق للبنانيين التساؤل عن الأسباب الحقيقيّة التي منعت رئيس الجمهوريّة السابق العماد ميشال عون من تطبيق مشروع بناء الدولة أثناء وجوده في القصر لمدة ست سنوات، وبعد انتخابه بما يشبه الإجماع من معظم الكتل البرلمانيّة حتى تلك التي كان على خصام سياسي معها؟
هل يكفي تكرار تلك المعزوفة التي دأب تيار العهد على تكرارها من دون إنقطاع بشكل ممل حيث رفعوا شعار «ما خلونا» الذي عاد ونقضه عون نفسه في آخر مقابلة تلفزيونيّة له قبل إنتهاء ولايته بساعات؟ إذا تمكّن تيار سياسي من الاستحواذ على الرئاسة الأولى وكتلة نيابيّة وازنة وعدد غير قليل من المناصب العليا في الأمن والقضاء والإدارة وتحالف مع أقوى الأطراف السياسيّة على الساحة المحليّة، فما الذي منعه من تحقيق مشروع بناء الدولة؟ إذا كان التحالف مع محور الممانعة يمنعه من ذلك، لماذا لم يفكه؟ أليس لأنّه يؤمن له المكاسب السياسيّة التي لا تتوفر له دون ذلك التحالف؟
المشكلة كانت وتبقى في المقاربات السياسيّة للملفات الوطنيّة القائمة على المناكفات والكيديّة وسياسات الأحقاد التي تعتبر أن باستطاعتها اختزال أو تجاوز قوى سياسيّة أخرى، لمجرّد أنها على خلاف سياسي معها حول القضايا الداخليّة.
المهم الآن أنّ انتهاء العهد البائس الذي جلب الويلات على اللبنانيين على مختلف المستويات قد انطوى وعادت الأطراف المرتبطة به إلى حجمها الطبيعي، وأسقط من يدها كل الأدوات الدستوريّة والمؤسساتيّة التي أساءت استخدامها طوال ست سنوات، ولو أنها غلفتها في شعار برّاق بالنسبة لبعض الشرائح الشعبيّة ألا وهو «استعادة الصلاحيّات الرئاسيّة».
المطلوب اليوم الخروج من حلقة الأداء العبثي والعودة إلى القضيّة الأساسيّة المتمثلة بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، لكي تتلاشى معه كل القضايا الأخرى ذات الصلة مثل إنعقاد إجتماع مجلس الوزراء في حالة تصريف الأعمال أو الدخول في «تشريع الضرورة» أو سوى ذلك من القضايا الاشكاليّة.