لم تمرّ جولة رئيس «التيّار الوطني الحُرّ» وزير الخارجية والمُغتربين جبران باسيل في قضاء عاليه على خير، علمًا أنّ جولاته السابقة لم تخلو بدورها من المشاكل والحزازيّات. مُؤيّدو الوزير باسيل يصفونه بالوزير القوي وبالوزير الملك، ويعتبرون أنّ الغُبار الذي يُثار عمدًا مع كل جولة جديدة له في إحدى المناطق اللبنانيّة، ما هو إلا مُحاولات فاشلة للتأثير على شعبيّته وعلى نُفوذه السياسي المُتنامي. في المُقابل، يعتبر مُعارضو الوزير باسيل أنّ أسلوبه إستفزازيّ وتصاريحه فيها الكثير من الفوقيّة وهي تنكئ جراح الحرب في أغلب الأحيان. وبعيدًا عن هذا الرأي أو ذاك، وحتى بعيدًا عن أسباب وخلفيّات ما جرى خلال جولة رئيس «التيّار» يوم الأحد في قضاء عاليه، الأكيد أنّ خيارات سياسيّة ذات أهميّة كُبرى بدأت تتبلور خلف الكواليس، بعد مُرور أقل بقليل من نصف العهد الرئاسي للعماد ميشال عون، وقيام مُختلف الأطراف بتقييم هذه المرحلة من مُختلف النواحي. فما هي المُعلومات في هذا الشأن؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ رئيس «التيّار الوطني الحُرّ» لا يتردّد في تعريض علاقاته مع الكثير من القُوى والجهات السياسيّة للإهتزاز، كونه يعتبر أنّ تصاريحه الناريّة تُقويّه شعبيًا، وترفعه إلى مصاف الزُعماء الكبار ضُمن بيئتهم وحتى على الساحة الوطنيّة. ولفتت إلى أنّ الوزير باسيل حريص على الحفاظ على تفاهماته مع جهتين أساسيّتين فقط، وهما «حزب الله» و«تيّار المُستقبل». وأوضحت أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» مُقتنع بأنّ التفاهم الإستراتيجي مع «حزب الله» سيفتح له الطريق أمام تكرار «سيناريو» وُصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، لجهة وُقوف «الحزب» إلى جانبه، ومُمارسته المَونة على عدد كبير من الأحزاب والقوى والنوّاب المَحسوبين على محور «المُقاومة والمُمانعة»، لتأمين الدعم له. وتابعت الأوساط نفسها أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» أيضًا مُقتنع كذلك الأمر بأنّ إستكمال حلقة الدعم المطلوبة للحفاظ على نُفوذه السياسي داخليًا ولتحقيق الأهداف العالية على مُستوى السُلطة والحُكم في لبنان، يستوجب التفاهم والتنسيق مع «تيّار المُستقبل» للحفاظ على الإستقرار الداخلي، ولتأمين أسس الشراكة وحُكم البلاد من النواحي الإقتصادية والمَعيشيّة والحياتيّة وغيرها.
ورأت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ القوى المُتضرّرة من تفاهمات رئيس «التيّار الوطني الحُرّ» في إزدياد واضح، وهي مُوزّعة على أكثر من جهة طائفيّة ومذهبيّة وعلى أكثر من موقع سياسيّ وإستراتيجيّ. وأوضحت أنّ «تيّار المردة» مثلاً هو في موقع الخُصومة مع «التيّار»، لحسابات مناطقيّة، وخُصوصًا لحسابات رئاسيّة، بينما «الحزب التقدمي الإشتراكي» هو في موقع الخُصومة لحسابات مناطقيّة، والأهمّ لحسابات مُرتبطة بالنُفوذ الجُنبلاطي في «الجبل» والذي يعمل «التيّار» على تقليصه وتحجيمه، عبر تعويم خُصوم «الإشتراكي» في الساحة الدرزيّة، وكذلك لحسابات مُرتبطة بالنُفوذ السياسي المُتراجع للحزب الإشتراكي ضُمن المُعادلة السياسيّة اللبنانية ككل. ولفتت إلى أنّ حزب «القوات اللبنانيّة» بات بدوره في موقع العاجز عن الحفاظ على تفاهمه السياسي مع «التيّار الوطني الحُرّ» بعد ما اعتبره تنصّل الوزير باسيل من الإلتزام بالتعهّدات التي قطعها «التيّار» خلال مرحلة التفاهم بين الطرفين، وفي ظلّ إستمرار تكاثر الخلافات المُتراكمة بين الطرفين على أكثر من ملف. وأضافت الأوساط نفسها أنّ موقف «حركة أمل» التي لا تزال حتى اليوم تُهادن «التيّار الوطني الحُرّ» ورئيسه، قادر على قلب موازين القوى رأسًا على عقب في حال الإنتقال إلى موقع مُعارض وبشكل علني للتيّار، وهو خيار لا يزال الرئيس برّي يتجنّب الغوص به حفاظًا على الفرصة الزمنيّة المَمنوحة لمُحاولة إنجاح العهد الرئاسي.
وتوقّعت الأوساط السياسيّة المُطلعة أن يتواصل الإبتعاد التدريجي عن «التيّار الوطني الحُرّ» وتحديدًا عن رئيسه الوزير باسيل، من قبل أكثر من جهة سياسيّة كلّما إقترب موعد الإستحقاقات المُقبلة، أكانت إنتخابات بلدية أم نيابيّة أو حتى رئاسيّة. ورأت أنّ رئيس «التيّار الوطني الحُرّ» الذي يُردّد في كثير من المُناسبات مقولة إستعادة الشرعيّة الشعبيّة لرئاسة الجُمهورية خلال هذا العهد، تحضيرًا لإعلان ترشّحه لرئاسة الجُمهوريّة عندما يحين موعد هذا الإستحقاق، إنطلاقًا من المبدأ نفسه، سيصطدم بتكتّل مصالح كبير، سيجمع العديد من القوى الداخليّة غير المُنسجمة سياسيًا والمتعدّدة طائفيًا ومذهبيًا، والتي ترفض وُصوله إلى منصب رئاسة الجُمهورية، كلّ لإعتبارات خاصة به. وعندها ستكون فرصة وُصول شخصية اخرى إلى قصر بعبدا سالكة بنسبة كبيرة، في حال بقاء التوازنات الداخليّة والإقليميّة كما هي عليه اليوم.