بعد التصدعات التي أصابت علاقة التيار الوطني الحر بـ»حزب الله»، صار اللقاء بينهما حدثاً، وباتت الصورة التي تجمعهما في حد ذاتها خبراً.
بهذا المعنى، فإنّ زيارة وفد كتلة الوفاء للمقاومة برئاسة النائب محمد رعد وعضوية النائبين حسن فضل الله وعلي عمار للعماد ميشال عون في الرابية كانت لافتة من حيث الشكل كما المضمون، ربطاً بالظروف المحيطة بها وبما سبقها من اعتراضات أبدَتها قيادات في التيار بصوت مرتفع على سلوك الحزب في القضايا الداخلية وملف الجنوب.
وتعكس الزيارة، التي تمّت خارج أي مناسبة بروتوكولية تُحتّم حصولها، حرص الطرفين على كسر الجليد وإبقاء جسر التواصل ممدوداً بينهما، سعياً الى تقريب وجهات النظر اذا أمكن، او أقلّه تنظيم الخلاف بحيث يبقى تحت السيطرة ولا يتفلّت من «الضوابط».
كذلك فإنّ مبادرة «الوفاء للمقاومة» حيال الجنرال في هذا التوقيت تؤشّر إلى رمزية او خصوصية موقع عون لدى الحزب، بمعزل عن أي خلاف سياسي مُستجد، وهذا ما أكده نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم خلال إطلالته الأخيرة عبر تمسّكه بتوصيف الجنرال كجبل وتركه الباب مفتوحاً امام إمكانية إعادة ترميم التحالف مستقبلاً.
وغالب الظن، انّ مقاربة عون المختلفة للمعركة التي تخوضها المقاومة إسناداً لغزة واستباقاً لأي عدوان محتمل على لبنان، لا تقلّل بالنسبة إلى الحزب من شأن الخيارات الاستراتيجية والمكلفة التي اتخذها عون دعماً للمقاومة في أصعب الظروف، سواء في حرب تموز او أثناء عهده الذي تعرّض خلاله لشتى أنواع الضغوط والحصار نتيجة تَمسّكه بمواقفه المعروفة.
وانطلاقاً من هذا «الرصيد»، يبدو واضحاً أنّ الحزب اختار «احتواء» ملاحظات التيار الحر مهما كانت حِدتها، وبالتالي التعامل معها بطريقة استيعابية، بعيداً من التشنّج والتصعيد، مُتفادياً الانزلاق الى مواجهة علنية مع مَن كان مصنّفاً حتى الأمس القريب حليفاً استراتيجياً، وآخذاً في عين الاعتبار أهمية معالجة هواجس مكوّن أساسي في البيئة المسيحية.
ويبدو ان الحزب يصرّ على عدم اعتبار التيار خصماً ولو انه لم يعد حليفاً، مُفترضاً انّ القواسم المشتركة التي لا تزال تجمعهما تكفي بالحد الأدنى للإبقاء على «التبادل الدبلوماسي» بين الرابية والضاحية ولو على مستوى «تصريف الأعمال»، في انتظار إعادة تفعيله عندما يحين الأوان.
والأكيد، انّ الحزب يميّز مآخذ قيادة التيار على قراره بإسناد غزة عسكرياً عبر جبهة الجنوب، عن طبيعة الانتقادات التي توجّهها اليه قوى في المعارضة هي على خصومة حادة وقطيعة تامة معه، فهو يعتبر انّ دوافع التيار البرتقالي ومنطلقاته لا تشبه تلك التي يرتكز عليها الآخرون في مواقفهم السلبية، وإن بَدا ظاهرياَ انه يتقاطع معها، خصوصا ان عون كما النائب جبران باسيل يستمران حتى الآن في دعم مبدأ المقاومة للدفاع عن لبنان حصراً في مواجهة اي عدوان إسرائيلي، ما يشكّل بالنسبة إلى الحزب أرضية صالحة للانطلاق في اي نقاش.
من هنا، ارتأى الحزب ان يشرح لعون عن قرب حقيقة ما يجري على جبهة الجنوب في مواجهة العدو الاسرائيلي، وأن يطلعه على الاستراتيجية التي تعتمدها المقاومة في هذه المواجهة، بعيداً من التأويلات والاجتهادات الكثيرة، وذلك لمحاولة تطويق سوء التفاهم او سوء الفهم الناشئ في هذا المجال، علماً انّ مشكلة التيار مع الحزب تتعدى واقع الحدود الى مسألة الشراكة الداخلية المرتبطة باستحقاق رئاسة الجمهورية وسلوك حكومة تصريف الأعمال.
ويتصرّف الحزب من جهته على اساس انّ التباينات المتراكمة مع التيار تتصل بمرحلة طارئة، وان تغيّر الظروف يمكن أن يُعيد النضارة الى علاقتهما المصابة بـ«الشحوب السياسي»، خصوصا ان الساحة اللبنانية هي بطبيعتها متحركة، ويمكن ان تفرز لاحقاً معادلات واصطفافات جديدة.
صحيح انّ لقاء الامس ليس كافياً لسد الفجوات الواسعة في سقف تفاهم مار مخايل الذي استظَلّ به التيار والحزب في السراء والضراء لسنوات طويلة، لكنه يعطي إشارة رمزية إلى محاولة منع انهيار هذا السقف بالكامل، لا سيما انّ التدحرج الى نقطة اللاعودة سيرتّب تداعيات سلبية، أخطرها تلك التي ستصيب التوازنات الداخلية المُرهفة.