أين كنا وأين أصبحنا… هل تتذكرون كوفي أنان ونقاطه الست لحل الازمة السورية، وهل تتذكرون الاخضر الابرهيمي ومؤتمر جنيف وكل ما قيل عن عملية “الانتقال السياسي”؟ كل هذا بات من الماضي وليس هناك الآن سوى فصول “حرب المصيدة” التي تديرها اميركا بطريقة تكفل، أولاً استجلاب الارهابيين من أصقاع العالم الى مستنقعات الدم في سوريا والعراق، وثانياً العمل للخلاص منهم.
ليس ثمة استراتيجيا او روزنامة واضحة لهذه الحرب. ففي العراق تجد الاميركيين والايرانيين في خندق واحد وإن أنكر الجانبان، وفي سوريا تجدهما يحاولان الظهور في مظهر متعارض رغم المؤشرات التي توحي بشيء من تلاقي المصالح بينهما!
وهكذا كان من المضحك تماماً ان يتحدث ستيفان دو ميستورا عن ارتياحه الى محادثاته في دمشق التي زارها لإقناع النظام بنظرية “تجميد الصراع في حلب” بين النظام والمعارضة المعتدلة، والانصراف الى التزام قرار مجلس الامن رقم 2170 الذي يدعو الى مواجهة “داعش” و”النصرة”، فكان الجواب المماطلة على قاعدة القول ان التجميد قد يشكل اعترافاً بالمعارضة [ التي تتعرض للقصف من النظام ومن الارهابيين] في حين ان المطلوب هو تنفيذ “تجربة حمص” أي انهاء الصراع بمعنى استسلام المعارضة.
على خلفية الهجمات التي تتعرض لها قوات المعارضة في الاحياء المحاصرة في حلب من “النصرة” ومن النظام الذي يواصل دكّها بالبراميل المتفجرة، دعت فرنسا وتركيا الى إنقاذها على طريقة كوباني، لكن الغموض المحيّر في الموقف الاميركي من هذه المعارضة، هو الذي يدفع بعض المحللين الى القول انه اذا كانت واشنطن وطهران تقفان في خندق ضد “داعش” في العراق، فهما تلتقيان على بقاء الاسد في المرحلة الراهنة على الأقل!
عندما يقول باراك اوباما: “نحن نريد ان نرى تسوية سياسية داخل سوريا وهذه مسألة بعيدة المدى ونحن لا نستطيع حل النزاع السوري عسكرياً”، فلا معنى اطلاقاً لتكراره القول: “ان هدفنا تنحي الاسد، ولدينا ثقة شبه مطلقة بأنه فقد شرعيته نتيجة استخدامه البراميل المتفجرة وقتله الاطفال”!
الدليل على هذا ليس المهمة المضحكة – المبكية التي يقوم بها دو ميستورا فحسب، بل ما نشرته صحيفة ” الغارديان” من ان الذين التقوا بشار الاسد أخيراً في دمشق يقولون انه تلقى تطمينات نقلها الايرانيون ومندوبه في الامم المتحدة عن باراك اوباما شخصياً، مفادها ان اهتمامه منصبّ على محاربة تنظيم “داعش” وان لا نية لديه لدعم اي معارضة معتدلة تهدف الى اطاحته.
إذا صحّت هذه المعلومات يكون اوباما، كما قال لوران فابيوس قبل شهرين، يريد ان يفرض على المنطقة الخيار بين بربريتين: الديكتاتورية أو الارهاب، وبهذا سيخسر الحرب سلفاً!