جهود فرنسية – سعودية لإخراج لبنان من النفق.. وجنبلاط يُسِّوق لـ«التوافقي»
أنقذ قرار حكومة تصريف الأعمال، بالعودة إلى التوقيت الصيفي، ولو متأخّراً، البلد من تداعيات أزمة طائفية، كادت تودي بلبنان إلى فتنة لا تحمد عقباها، بعدما تبيّن بشكل واضح هشاشة التركيبة اللبنانية، وكأن أحداً لم يتعلم من دروس الماضي. ومن خلال المواقف المقيتة التي أطلقت على خلفية هذه الأزمة، والتي كادت تهدّد السلم الأهلي، انكشفت جلياً طروحات البعض التقسيمية التي لفظها اللبنانيون، وبعد المناداة بالفرز الطائفي البغيض الذي ما عاد موجوداً، إلا عند النفوس الحاقدة والمريضة التي تريد شراً بهذا البلد وناسه.
وإذا كانت العودة عن قرار الإبقاء على التوقيت الشتوي، قد تركت ارتياحاً على الصعيد الداخلي، وخففت كثيراً من أجواء الاحتقان التي سادت في الأيام الماضية، إلا أنها كشفت عن مدى الانقسام العامودي عند اللبنانيين، حتى على الأمور الصغيرة. وهو ما أثار استغراب الخارج من «سطحية» القيادات اللبنانية غير المسؤولة التي تعالج قضايا بلدها بكثير من الخفة واللامسؤولية. وليس أدل على ذلك، أن قراراً بسيطاً يتعلق بالتوقيت اليومي، كاد أن يأخذ لبنان واللبنانيين إلى حرب أهلية جديدة، في وقت تتمدد الانهيارات على مختلف المستويات، وسط عاجز فاضح عن التصدي لها، وإخراج اللبنانيين من هذا النفق.
وتشدد أوساط نيابية بارزة، كما تقول لـ«اللواء»، على أن «لا سبيل لمعالجة هذا التخبط وهذه العشوائية في الأداء، إلا بالسير نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، على ما يؤكده رئيس حكومة تصريف الأعمال في كل مناسبة»، مشددة على أنه «طالما استمر الشغور الرئاسي، فسيبقى الارتجال سيد الموقف، مع ما له من انعكاسات ليست في مصلحة البلد والناس . وهذا من شأنه في حال استمراره أن يبقي الأمور على هذا النحو من الانهيار المتسارع الذي يطال كل القطاعات». وأشارت إلى أن هناك «أطرافاً تعمل من أجل استغلال الشغور، بهدف إشعال فتيل الفتن الطائفية والمذهبية بين اللبنانيين، على غرار المواقف المتهورة التي يطلقها بعض المسترئسين الجدد، ولو على حساب الشعب ومصالحه».
وسط هذه الأجواء القاتمة التي لا تبشّر بالخير، في بلد لم يتعلم من دروس الماضي، كان لافتاً الاتصال الذي جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وما عبّرا خلاله عن «قلق مشترك حيال الوضع في لبنان وكرّرا عزمهما على العمل معا للمساعدة في إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي تمرُّ بها».
وفيما يجري رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط محادثات في باريس مع عدد من المسؤولين الفرنسيين، والبحث معهم في الاستحقاق الرئاسي، وتحديداً من أجل تسويق فكرة الرئيس التوافقي، فإن اتصال الرئيس ماكرون بولي العهد السعودي، بعد الاجتماع الثنائي بين الوفدين الفرنسي والسعودي، والذي لم يخرج بنتائج حاسمة على صعيد معالجة الملف الرئاسي في لبنان، في وقت يواصل سفير خادم الحرمين الشريفين وليد البخاري والسفيرة الفرنسية آن غريو، حراكهما على القيادات السياسية، في مؤشر يعكس اهتمام الرياض وباريس، في إخراج لبنان من هذا المأزق الذي يتهدده، حيث شدد السفير البخاري، على «أهمية انتخاب رئيس للجمهورية سيادي إنقاذي بعيد من الفساد السياسي والمالي ويحمل برنامجا إنقاذيا واضحا، وتكليف رئيس حكومة يمتلك المواصفات ذاتها لتشكيل حكومة فاعلة قادرة على إعادة بناء مؤسسات الدولة وانتشال البلد من أزماته»، معرباً عن ثقته في «إرادة وتطلعات الشعب اللبناني على الخروج من الأزمات، ولا سيما أن لبنان عوّدنا على مناعته تجاه الأزمات وقدرته على النهوض منها..».
وقد أثار الاتصال بين الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي، ارتياحاً في الأوساط اللبنانية، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على استمرار الاهتمام الفرنسي – السعودي بلبنان، والعمل تالياً على إخراجه من أزمته، بتعبيد الطريق أمام انتخاب رئيس للجمهورية جامع، يأخذ بعين الاعتبار مصالح لبنان العربية والدولية. وأن باريس والرياض مستمرتان في مساعيهما لتقريب المسافات بين اللبنانيين، بما يسهل إنجاز الاستحقاق الرئاسي في وقت قريب، شريطة أن يتواكب ذلك مع جهود لبنانية صادقة من أجل التوافق على انتخاب الرئيس العتيد الذي يستطيع أن يكسب ثقة المجتمع الدولي، ويعيد الجسور مع الأشقاء والأصدقاء . وهو ما تشدد عليه القيادتان الفرنسية والسعودية في مساعيهما الحثيثة لإنقاذ اللبنانيين.