صمدت فرنسا والتزمت بطرح معادلة سليمان فرنجية – نواف سلام حتى اللحظات الأخيرة، ولم يتغيّر الموقف الفرنسي إلا قسرياً أي بعد الاتصال الأخير الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هذا الاتصال الذي أفهم صنّاع القرار في الإليزيه، أنّ ترشيح فرنجية مرفوض رفضاً قاطعاً، وأن لا عودة عن هذا الرفض، وأن نتائج الاستمرار بهذا الطرح، لن يتحملها «حزب الله» وحده، بل ستطال أيضاً ناقل الرسالة والترشيح، باعتباره يصر على نقل طرح غير مقبول، ويستهلك وقتاً ثميناً في زمن الانهيار، ويوحي لصاحب المبادرة الأصلي، بأنّ من الممكن أن ينجح خلسة في ايصال مرشحه إلى بعبدا.
بعد اتصال ماكرون ببن سلمان، لن يكون كما قبله. خلاصات كثيرة يمكن استنتاجها من هذا الاتصال أبرزها:
أولاً: قطعت السعودية على فرنسا، الأمل الأخير أو الوهم الأخير، المتعلق باحتمال القبول بسليمان فرنجية رئيساً، وسمع ماكرون بنفسه من محمد بن سلمان هذا الرفض، الذي بعده لن يكون باستطاعة فريق ماكرون المتحمس لفرنجية، أن يمضي قدماً. فمن دون الموافقة السعودية، لن تجرؤ فرنسا على السير منفردة بهذا الخيار، ولن تذهب إلى تبنيه، وهي تعلم أنّه مرسل بالبريد السريع من «حزب الله»، كي يتم الباسه لبوس المبادرة الفرنسية.
ثانياً: تمّ تحميل إدارة ماكرون وبكل وضوح مسؤولية الاستمرار في طرح معادلة فرنجية – سلام، هذه المسؤولية التي تنطلق من حقيقة أن هذه المبادرة هي مبادرة «حزب الله» بالاساس، وهو أقنع فرنسا بتبنيها، فأصبحت عبئاً على العلاقة السعودية الفرنسية، وأصبحت تحت المراقبة الأميركية، لا سيما أن الولايات المتحدة التي سلّمت فرنسا الملف اللبناني، لم تقدّم شيكاً على بياض، وهي تحاذر التسويات الفرنسية التقليدية، التي غالباً ما يتبين بعدها، انها عبارة عن تسليم لإيران بمطالبها كاملة، وهذا غير مقبول أميركياً.
ثالثاً: تغيّر الموقف الفرنسي جذرياً بعد هذا الاتصال، وتشير المعلومات إلى أنّ الفرنسيين لن يطرحوا سليمان فرنجية ثانية، بل سيذهبون إلى البحث عن الخيار الثالث، ما يعني أنّ «حزب الله» المتمسك بمرشحه، لن يجد طرفاً دولياً يتبنى هذا الترشيح، وسيصبح فرنجية مرشح «حزب الله» المعزول عن أي تبنٍ أو دعم إقليمي أو دولي، وبالتأكيد عربي، ولهذا الأمر نتائج وحسابات مختلفة.
لن تكرر المملكة العربية السعودية سيناريو العام 2016، ولن تتردد في رفض أي تسوية على طريقة اتفاق الدوحة الذي تمّ الانقلاب عليه، وانتخاب ميشال عون الذي أنتج ما أنتج. ومع سقوط المحاولة الفرنسية لتسويق مبادرة «حزب الله»، بات يمكن القول إن «الحزب» قد يدخل في مرحلة المكابرة وإنكار الواقع أي التمسك بفرنجية، لكن ذلك لا يمكن أن يطول إلى ما لا نهاية، لأنّ تسارع الانهيار لن يوفر أحداً في الداخل، ولأن المسؤولية سيتحملها «الحزب» اذا رفض التسوية المعقولة التي ستطرح على الطاولة في وقت ليس ببعيد.