تتواصل الدعوات المحلية وبعض المناشدات الدولية لعدم إنجرار لبنان الى الحرب الدائرة حالياً بين حركة حماس والعدو الاسرائيلي، وبينه وبين حزب الله في المنطقة الجنوبية، كونه لن يستطيع عندها الصمود في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية التي يُعاني منها. هذا من جهة، ولأنّ اتساع رقعة الحرب لتشمل لبنان من جهة ثانية، يعني حربا توسّعية تمتدّ الى كامل منطقة الشرق الأوسط ومرشّحة لأن تصل الى الدول الأوروبية، وربّما الى العالم. وإذ تُشدّد فرنسا من بين بعض دول الخارج على ضرورة لجم توسّع الحرب، يزور وزير دفاعها سيباستيان لوكورنو لبنان غداً الأربعاء ليومين في زيارة يلتقي خلالها المسؤولين اللبنانيين. كما يزور قاعدة لقوّات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) التي تُشارك بلاده فيها بكتيبة مؤلّفة من 652 جندياً.
مصادر سياسية مطلعة تحدّثت عن أنّ الجميع يدرس خياراته ويُراجع حسابات الربح والخسارة في أي خطوة عسكرية سيقوم بها. ولا يبدو أنّ حزب الله يريد الحرب، أو أنّه سيبدأ بالشرارة الأولى مع “إسرائيل” من خارج قواعد الإشتباك. كما أنّه يضبط النفس لكي لا يُستفز من “الإسرائيلي” أو يجرّه الى حرب لا يريدها، في ظلّ المناشدات الداخلية والخارجية بإيقاء لبنان بعيداً عن الحرب التوسّعية.
ويأتي وزير الدفاع الفرنسي غداً الى لبنان، ليُكرّر موقف الرئيس إيمانويل ماكرون الداعي الى “عدم توسيع” نطاق النزاع ليشمل لبنان، والعودة الى عملية السلام، مشدّداً على أنّ إطلاق سراح الرهائن هو الهدف الأول، سيما وأنّه هناك 9 فرنسيين من بين المفقودين، قد يكونوا من بين الرهائن لدى حماس. علماً بأنّ ماكرون قد جاء الى “تل أبيب” في 24 تشرين الأول الجاري معلناً تضامنه معها، مشيراً الى أنّه “يجمعهما حِداد” بعد الهجوم الدموي الذي نفّذته حركة حماس على “الأراضي الإسرائيلية” في 7 ت1 الحالي.
وتقول المصادر بأنّ موقف فرنسا من ضرورة تجنّب توسيع رقعة الحرب، يعود بالدرجة الأولى الى خشيتها على مصالحها في لبنان، لا سيما ملف التنقيب عن النفط، سيما وأنّ شركة “توتال” هي المشغّلة لعمليات الحفر، وإن كانت قد جمّدت عملها أخيراً بعد بدء حرب غزّة. كذلك فإنّ فرنسا تُعتبر من إحدى الدول الرئيسية المساهمة في قوّات الطوارىء الدولية العاملة في جنوب لبنان. وتأتي في المرتبة الثامنة من أصل 49 دولة مشارِكة في “اليونيفيل” بعد أندونيسيا (1232 جندياُ)، إيطاليا (1108)، الهند (893)، غانا (870)، نيبال (874)، ماليزيا (833)، تليها إسبانيا (663)، ومن ثم فرنسا (652). كذلك فإنّ لفرنسا جالية لا بأس بها يعيش أفرادها في مختلف المناطق اللبنانية، وإن كانت من بين الدول التي طلبت من رعاياها مغادرة لبنان منذ نحو أسبوعين.
وأكّدت المصادر أنّ فرنسا وسائر الدول، لا سيما الأوروبية منها، تخشى على عناصرها العاملين في جنوب لبنان ضمن القوّات الدولية، خصوصاً وأنّ مقرّ “اليونيفيل” غالباً ما لا يسلم من الصواريخ خلال الحروب. وذكّرت المصادر بما أصاب مقرّها من “ضربة إسرائيلية” قاسية خلال حرب تموز- آب 2006. ويزور الوزير لوكورنو قوّات حفظ السلام في الجنوب بعد غد الخميس، لا سيما الكتيبة الفرنسية للإطمئنان على جنودها، خصوصاً بعد تعرّض المقرّ بالقرب من بلدة الناقورة لأضرار مادية جرّاء قذيفة سقطت داخله السبت الفائت، وسيُعيد التأكيد من هناك على “التزام بلاده باستقرار لبنان والحفاظ على أمنه”.
كذلك يلتقي لوكورنو المسؤولين السياسيين بهدف التأكيد على عدم جرّ لبنان الى هذا الصراع. ولكن في حال لم ينجرّ الحزب الى الحرب، أو لم يشنّ أي ضربة على “الداخل الإسرائيلي”، ما الذي يضمن عدم قيام “إسرائيل” بالضربة الأولى، تُجيب المصادر السياسية أنّه ليس من مصلحة العدو فتح حرب كبيرة مع لبنان في هذه المرحلة. ولكن في حال قامت بالضربة الأولى على أحد المرافق العامّة لذريعة ما، فعندها ستنتفي حجّة دفاعها عن نفسها، رغم أنّها غالباً ما تلجأ الى التضليل الإعلامي من خلال بثّ أخبار كاذبة.
كما لفتت المصادر الى أنّ دول الخارج ،لا سيما الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، قد نصحتا “إسرائيل” بعدم توسيع الحرب لتشمل لبنان، خصوصاً وأنّ أميركا لا تزال تحسب حساباً لخط الرجعة، لأنّها تريد استكمال مفاوضاتها مع إيران، فيما فرنسا تلتقي مع حزب الله وتتفاوض معه على عناوين عدّة. كذلك، فإنّ إيران ستلجأ حتماً الى الدفاع عن حزب الله، ومساندته من بلادها، في حال خطّطت “إسرائيل” لمباغتته وضربه في لبنان، أو قامت أميركا باستخدام حاملات الطائرات ضدّه.
وتساءلت المصادر إذا كانت “إسرائيل” تنتصح من الدول الغربية، وتقوم بما تدعوها اليه، وإذا أعطت الضمانات للرئيس الفرنسي بأنّها لا تنوي توسيع دائرة الحرب لتشمل لبنان وسواه من دول المنطقة، خصوصاً وأنّها لا تلتزم بالقرارت الدولية المتعلّقة بالصراع العربي- “الإسرائيلي”، أو بانسحابها من جميع الدول العربية المحتلّة. كما أنّها تحتمي بحليفتها الولايات المتحدة التي تستخدم حقّ النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي، لكي لا يتخذ أي قرار يدينها بجرائم ضدّ الإنسانية وبالإبادة الجماعية، وبدفع كلّ التعويضات اللازمة في هذا الشأن.