IMLebanon

مهمة الموفد الفرنسي: أكثر من استطلاع وأقل من مبادرة

 

فجأة بدأت الشوارع التي تحمل بصمات قوى حزبية، في حال هدوء ولو نسبي. في المقابل، لا تزال تلك الساحات العفوية، قائمة. أما المربعات المتحركة عن بُعد، فاستعادت بعض أنفاسها، في لعبة الكر والفر التي تعبّر عن واقع التجاذب بين قوى السلطة.

 

أثبتت الساعات الأخيرة من الانتفاضة الشعبية، كما ترى قوى الثامن من آذار، أنّ بعض مكونات السلطة دخلت على خطّ الحراك الشعبي، لتوجيه رسائل سياسية، أخذت الشارع في بعض حلقاته إلى حلبة الصراع الحكومي عشية التكليف الذي انتقل وللمرة الأولى، إلى المرتبة الثانية بعد التأليف.

 

هكذا، لم يخف رئيس الجمهورية ميشال عون إصراره على صياغة التفاهم مع “المرشح” الأبرز لرئاسة الحكومة، أي رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، لئلا ينام على “حرير” التكليف ويدخل البلاد في متاهة الخلافات، في وقت لا يملك أي من الجالسين الى طاولة القرار، ترف الوقت. وهي من الملاحظات التي لم “يهضمها” الحريري من رزمة مواقف سيد بعبدا، ودفعته إلى ترك جمهوره ينضم إلى الجماهير المعترضة في تلك الليلة المشتعلة.

 

تدخّلت القوى الأمنية أمس لتعيد فتح معظم الطرقات وتزيل العوائق، الترابية و”النفسية” التي ارتفعت منذ يومين، تعبيراً عن اعتراض الشارع على المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية في مقابلته التلفزيونية. في تلك الليلة بدا الشارع متفلّتاً من عقاله، غاب صوت المنطق وتعامل الناس مع النصف الفارغ من المقابلة المطولة متجاهلين النصف الملآن. فـ”حاكموا” رئيس الجمهورية على قوله مثلاً إنّه لـ”رئيس التيار الوطني الحر” جبران باسيل الحق في العودة إلى الحكومة اذا أراد ذلك، وتناسوا أنه استتبعها بموقف بارز مفاده أنه يفضل فصل النيابة عن الوزارة وهي إشارة واضحة إلى ضوء أخضر أطلقه رئيس الجمهورية، تمهيداً لاخراج “الصقور” من الحكومة العتيدة.

 

عملياً، لا يزال النقاش حول الحكومة شكلاً ورئاسة قائماً على وقع الجولة الموسعة التي يقوم بها الموفد الفرنسي، مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو في بيروت، في محاولة منه لتقصي “حقائق” الميدان اللبناني المشتعل.

 

وفق المطلعين على محادثات الموفد الفرنسي، فإنّ مهمة الأخير تتخطى الطابع الاستطلاعي ولو أنّ إدارته تحرص على التقليل من أهمية ما يقوم به الديبلوماسي الفرنسي في بيروت، من باب حماية هذه المهمة وتحصينها من الفشل.

 

لكن المطلعين يعرفون جيداً أنّ باريس هي من أكثر العواصم الغربية اطلاعاً على الملف اللبناني وقدرة على التأثير فيه وتوجيهه، نظراً للعلاقات التاريخية التي تربطها بالكثير من القوى اللبنانية. وما يزيد من أهمية الجولة التي يقوم بها الديبلوماسي الفرنسي هو شبكة العلاقات التي تتمتع بها بلاده مع دول عربية وأميركا وإيران، ما يمنح باريس هامشاً واسعاً من القدرة على التشاور مع المحاور المتخاصمة للوصول إلى خطوط التقاء مشتركة، من شأنها تجنيب لبنان الدخول في مستنقع الصراع الإقليمي.

 

وفي هذا السياق علم أنّ السفير فارنو سيلتقي لاحقاً مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، من دون أن يعني ذلك أنّ الملف الحكومي ينتظر نتائج هذا اللقاء، كما يقول المطلعون. ويؤكدون أنّ الموفد الفرنسي يحرص على الاستماع إلى كل وجهات النظر وتأكيد دعم بلاده السياسي والاقتصادي للبنان حفاظاً على الاستقرار السياسي والمالي. جلّ ما تطلبه باريس وفق موفدها، هو إسراع القوى السياسية إلى تأليف حكومة جدية قادرة على اقناع الناس بأدائها تحدث صدمة إيجابية في صفوف المعترضين، ترفض الادارة الفرنسية الغوص في تفاصيلها أو في طبيعتها أو رئاستها. الشرط الوحيد هو أن تكون الحكومة على مستوى طموح الناس، وقادرة على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لوضع المالية العامة على السكة السليمة.

 

ويشير المطلعون إلى أنّ مهمة الموفد الفرنسي تتسم بالأهمية كونها تحظى بغطاء دولي يبدو إلى الآن حريصاً على الاستقرار اللبناني ويرفض انزلاقه إلى الهاوية.