IMLebanon

المبادرة الفرنسية آخر فرصة إنقاذية للعهد… وصدقية باسيل على المحك

 

يواظب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والنواب العونيون على التأكيد مراراً وتكراراً وعلى نحو واضح لا لبس فيه، أنّهم مستعدون لتقديم كل التسهيلات الممكنة لقيام حكومة مصطفى أديب، حتى لو اضطرهم الأمر للبقاء خارجها بشكل كلي مع منحها كامل الثقة، كي تستثمر الفرصة الأخيرة الممنوحة للبنان. هذا يعني أنّ الفريق العوني، وهو صاحب أكبر كتلة نيابية، قرر في الثلث الأخير من عهد الرئيس ميشال عون تغيير كامل استراتيجيته في التعاطي مع الشأن الحكومي. في حكومات العهد الثلاث، كان “تكتل لبنان القوي” صاحب الكلمة الفصل والشريك المسيحي الأقوى في تركيب الحكومة.

 

حتى في حكومة حسان دياب التي ألبست لباس الاختصاصيين، وادعى “التيار الوطني الحر” أنّه ما من صلات قربى تربطه بالوزراء المسيحيين، تبيّن مع الوقت أنّ العديد منهم “مسيّرون عن بُعد” ويتمّ استدعاؤهم عند الحاجة إلى اللقلوق. أما قبلها، فقد تصرّف باسيل على أنّه الشريك المضارب لرئيس الحكومة المكلف حتى في الحصّة السنية حين رست التفاهمات على تسمية حسن مراد ممثلاً عن “اللقاء التشاوري”. يومها لم يكن رئيس “التيار الوطني الحر” بعيداً عن تلك الطبخة.

 

راهناً، يعلن باسيل ومعه “تكتل لبنان القوي” أنّ رئيس الحكومة المكلف متروك لصلاحيته في حياكة مسودته الحكومية. فعلياً، لم يُرصد خلال الأيام الأخيرة أي تواصل بين مصطفى أديب وجبران باسيل من شأنه أن يبيّن أن الاخير بصدد التفاوض على أي اسم أو حقيبة وهو المعروف بغرقه في تفاصيل التفاصيل. من يعرفون وزير الخارجية السابق عن كثب يجزمون أنّه غير مطلع على الطبخة الحكومية لا بالمباشر ولا بالواسطة. وهذا سيف ذو حدين.

 

في الحدّ الأول، يخشى أي فريق سياسي أن يتقدم خطوة الى الأمام ليلقى عليه بالجرم المشهود معرقلاً مهمة مصطفى أديب شبه المستحيلة. عادة، أكثر المتهمين بالعرقلة، هو جبران باسيل. ولذا تراه ينأى بنفسه ويلوذ بالصمت والترقب بانتظار وصول المسودة إلى قصر بعبدا. ومن بعدها لكل حادث حديث. وفي الحدّ الثاني، ثمة خوف من ألّا تأتي تركيبة مصطفى أديب على قدر الآمال والطموحات فيوضع “تكتل لبنان القوي” خارجها بشكل فاقع، فيما يدخل الآخرون من الشركاء على حصان “الاختصاصيين” والوجوه المقنّعة.

 

ولهذا لا يُحسد “التيار الوطني الحر” على موقفه، لا سيما وأنّ سلوك رئيسه تحت المجهر الدولي. في الداخل كما الخارج، يترقبون تلك اللحظة التي سيضع فيها رئيس الحكومة المكلف مسودته أمام رئيس الجمهورية. الكل يجمع على أنّ نسخة منها ستصير سريعاً أمام باسيل للاطلاع عليها وإبداء الرأي فيها.

 

حتى اللحظة يؤكد رئيس الجمهورية في مجالسه أنّه سيمنح المبادرة الفرنسية كل الدعم الممكن، وهذا يعني أنّ حجم الحكومة وطبيعتها وحتى طرح المداورة، لا يمكن أن تشكل مادة خلافية الى حدّ العرقلة لقيام الحكومة. كما يشير بعض المطلعين على موقفه إنّ تضمينها أسماء غير مستفزة لـ”التيار الوطني الحر” هو سقف مقبول من جانبه ليضمّ توقيعه إلى توقيع رئيس الحكومة.

 

لماذا كل هذا التساهل؟

 

“التيار الوطني الحر” مأزوم على كل المستويات. هو واقع لم يعد بالإمكان إنكاره. على المستوى التنظيمي ثمة حالة تخبّط ولو أنها لا تزال مكتومة نسبياً ولم تخرج بعد إلى العلن. على المستوى السياسي، العهد يقبل على سنته الخامسة ويحتاج الى معجزة لإنقاذ ما تبقى من رصيده، فيما البلاد تقبل على انفجار اجتماعي- مالي- اقتصادي غير مسبوق سيحرق الأخضر واليابس. التداعيات ستكون كارثية. وسقوط العهد يعني سقوط “التيار الوطني الحر”، سواء اعترف بذلك أم كابر على الوقائع، هو أكثر المتضررين من سقوط العهد بضربة الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي. لن يكون بمقدوره النفاذ اذا لم ينقذ العهد نفسه والمبادرة الفرنسية، على صعوبتها، وحدها هي التي تقدم قارب النجاة لفتح آفاق جديدة لإنقاذ ما تبقى.

 

اذا، ثمة مصلحة استراتيجية في إنجاح هذه الفرصة بكل شروطها مهما كلفت من أثمان سياسية قد يضطر “التيار الوطني الحر” إلى تسديدها في هذه اللحظات الصعبة. كما لديه مصلحة في إنجاح الحكومة في مشروعها الإصلاحي كي تتمكن من الحصول على جرعات دعم تبقي البلد على قيد الحياة. يعني بالنتيجة، يخضع “التيار” لاختبار وجودي صعب، سيحدد مصيره المستقبلي… من دون إغفال تبعات العقوبات الأميركية بعد توسّع مروحتها.