ليست المرة الأولى التي يدعو فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الحوار، من أجل الخروج من أزمة الرئاسة، لكنها المرة الأولى التي تلقى تجاوباً من جهات رفضوها مِن قبل أو على الأقل لم يبدوا حماسة لها في السابق. فما الذي اختلف في الدعوة هذه المرة؟
باختصار، في السابق لم تكن أجواء الحوار مهيأة، بحسب مصادر سياسية، وكان التصعيد سيّد الموقف حتى بين الحلفاء، أما اليوم فقد بدأ الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر، والأجواء الحوارية إيجابية مما انعكس تلقائياً على جواب رئيس التيار “الترحيبي”، والذي أتى سريعاً على دعوة رئيس مجلس النواب للحوار.
وفي التفاصيل، منذ بداية الأزمة كانت دعوة بري للحوار مفتوحة، فأتى الرفض من بعض الأفرقاء بحُجّة أن الأيام المفتوحة لن توصل الى نتيجة، ومِن البعض الآخر بحُجّة أن الغاية من الحوار إيصال المرشَّح الذي يدعمه الثنائي، وباستمرار هذا الجدل تعقّدت الأمور داخلياً، وبتعقيدها فَتحت الباب الخارجي للتدخل بتناقضاته بشكل أوسع، فزادت الأمور تعقيداً.
أما الحوار اليوم فهو لسبعة أيام حدّدها بري، يتناول مختلف التفاصيل والهواجس عند جميع الأفرقاء، بهدف الوصول الى نقاط مشتركة يتم الاتفاق عليها، إمّا يَخرجون منه بنتيجة توصل الى انتخاب رئيس، وإمّا يذهبون الى عقد جلسات مفتوحة الى أن يُنتخب رئيس، فالنقاش سيتم حول المواصفات وليس حول الأسماء، بحيث اعتبر البعض أن بري أراد إيصال رسالة فحواها أنه منفتح دائماً على الحوار، فبدل التراشق عن بُعد يتم الكلام عن قرب، دون أن يَفرض أحد على الآخر خياره بالاستحقاق الرئاسي، فكل الأدوار إن كانت داخلية أو خارجية تُكمِّل بعضها، إن كانت كلّها تسلك طريق قصر بعبدا، وبذلك يكون بري بمبادرته “إن نجحت” أنقذ المبادرة الفرنسية، وسهّل المهمة على الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي سيصل الى بيروت منتصف هذا الشهر…
وبما أن حالة الاستعصاء في السابق كانت من القوى المسيحية، ورغم أنها ما زالت عند بعضها، كان لافتاً موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي دعا لتلبية دعوة بري للحوار دون أحكام مسبقة، واللافت أكثر كان موقف التيار الوطني الحر الإيجابي، الذي أراح بري كونه يُحدِث خرقاً في جدار الأزمة بحال تجاوب حتى النهاية، باعتبار أن التيار طرف مسيحي وازن، فهو صحيح غير كاف على مستوى الحوار الوطني، إلا أنه يُشكِّل منعطفاً كبيراً في الأزمة الرئاسية، وبخاصة أن رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” السابق وليد جنبلاط سيسير بالحوار أيضاً، عدا خروج أصوات في المعارضة تتحدّث بإيجابية عن هذه المبادرة.
فإذا سارت الأمور بهذا الاتجاه الإيجابي داخلياً، تضيف المصادر، بغض النظر عن النتائج سينعكس ذلك بشكل طبيعي على الأطراف الخارجية المتابِعة لهذا الملف، المَعنية بالتنسيق فيما بينها، فيما لبنان مَعني فقط بالنتائج، وبخاصة أن مسار التسوية في المنطقة عاد ليسلك طريقه، بعد أن عرقله الأميركي، ومن الطبيعي أنه سينعكس إيجاباً على لبنان، تماماً كما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته الأخيرة الى بيروت.
فكما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير ان في أيلول نكون قد دخلنا في مرحلة مُهمّة زمنياً بالملف الرئاسي، تؤكد المعطيات أن هذا الشهر يجب أن يكون حاسماً في مسألة انتخاب رئيس وإيجاد حلول للأزمة في البلد، خاصة بعد التقدّم الذي يحدث بين دول المنطقة، وإذا لم يُترجَم ذلك في الداخل اللبناني إن من ناحية الاستفادة من الأجواء الخارجية أو من ناحية التلاقي الداخلي، يتحمّل بذلك كل طرف مسؤولية مواقفه وإطالة أمد الأزمة اللبنانية…
إذاً، يعيش لبنان هذه الأيام على مفترق طرق، واحد يوصل رئيساً الى قصر بعبدا مدعوماً بثروة نفطية وغازية، وآخر يضع عقبات لمنع إيصال رئيس مدعوم بمزيد من التصعيد والتعقيد الداخلي والخارجي يكون استمراراً لما سبق، نتيجته تفاقم الأزمة بحدودها المفتوحة…