Site icon IMLebanon

المبادرة الفرنسية “تتحصّن” بزخم العقوبات الأميركية

 

مضت أشهر على تهديد الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على حلفاء “حزب الله”، وها هي تنفّذ وعيدها وتدرج كلّاً من الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس على لوائح العقوبات، في تطور لافت للضغوطات الأميركية التي تأخذ منحى توسّعياً من شأنه أن يضع كل حلفاء الحزب في دائرة “الاستهداف” المالي والسياسي، كما وصفه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية في بيان مقتضب، وحركة “أمل” في قولها “وصلت الرسالة”.

 

في الواقع، فإنّ العديد من القيادات الحزبية الحليفة لـ”حزب الله” كانت تضرب في المدة الأخيرة مواعيد مفترضة للوائح الأميركية. التسريبات الخارجة من دوائر خزانة دونالد ترامب، والتي بلغت العاصمة اللبنانية، كانت تشي بقرب هذا الاستحقاق، لكن الاسماء بقيت موضع تكهن من جانب اللبنانيين، إلى أن أفصحت وزارة الخزانة عن أول دفعة.

 

كل شيء يدل على أنّ اسمي خليل وفنيانوس لن يكونا الوحيدين وقد تلحق بهما رزمة جديدة من الشخصيات التي تدور في فلك “حزب الله” التحالفي لا سيما من الضفّة المسيحية. اذاً، لم تكن الخطوة الأميركية مفاجئة بمعنى أنّها غير متوقعة، لكنّ توقيت اخراجها إلى العلن هو الذي صنع الفرق في لحظات المخاض الحكومي.

 

بعد ساعات قليلة من خروج رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، كانت “الصاعقة” الأميركية تحلّ على رؤوس المتعاطين بالشأن العام لا سيما أبناء الطبقة السياسية التقليدية. سؤال واحد تبادر إلى الأذهان: هل تقصّدت واشنطن اطلاق صواريخها العابرة للقارات لكي تفرمل اندفاعة المبادرة الفرنسية؟ هل تخطت باريس الحدود المتاحة والسقوف المرسومة أميركياً لكي تُواجه بصفارة قاسية اللهجة؟ وماذا سيكون موقف “حزب الله” ازاء عقوبات طالت أقرب حلفائه؟ هل سيتجه إلى مزيد من التشدد أم الليونة؟

 

حتى الآن، يجيب المطلعون على الموقف الفرنسي أنّ كل ما حصل من الجانب الأميركي لا ترجمة سلبية له على المشاورات الحكومية. لا بل العكس تماماً. يرجح هؤلاء أن تكسب المبادرة الفرنسية مزيداً من الزخم وقوة الدفع كونها تزيد الضغوطات على الطبقة السياسية وتدفعها إلى تبني الطبخة الحكومية سريعاً، على علّاتها، اذا ما اعتبر الممسكون باللعبة السياسية أنّ ثمة علات تعتري تركيبتها.

 

يؤكد المطلعون أنّ هامش المناورة، سواء بالمضمون أو بالتوقيت، بات ضيقاً جداً أمام الطبقة السياسية التي أفرِغت من خياراتها وصارت مجبرة لا بطلة في تبني الصيغة التي سترسو عليها مشاورات مصطفى أديب المكتومة. ويشير هؤلاء إلى أنّ القنبلة التي ألقتها واشنطن في الملعب اللبناني لم تمنع أبداً من استكمال المشاورات بين فندق “لاهويا” وقصر الاليزية لوضع اللمسات الأخيرة على المسودة الحكومية.

 

ويلفت هؤلاء إلى أنّ القنوات المباشرة التي أحدثها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في جدار العزلة الدولية التي تحيط بالضاحية الجنوبية، ليست بخطوة بسيطة، ولن يكون “حزب الله” في وارد نسفها أو تجاوزها أو تخريبها لمجرد ادراج شخصيتين مقربتين منه على لوائح العقوبات، على أهمية تلك الخطوة وتبعاتها على منطق التحالف مع “الحزب”، لكنها بالنتيجة خطوة متوقّعة في أي لحظة.

 

ولذا يؤكد المطلعون أنّ المبادرة الفرنسية لا تزال نشطة لا بل من شأنها تسريع قطار التأليف ليصل محطته الأخيرة قبل الموعد المحدد خصوصاً وأنّ المتعاطين بالشأن العام اللبناني يعرفون أنّ الجرعة الأولى من العقوبات ليست الا missed call رنّته الإدارة على هواتف اللبنانيين، وسيكون ملحقاً بـ”اتصالات” من العيار الثقيل.

 

ويشير هؤلاء إلى أنّ التكتم الشديد الذي يحيط بعملية المشاورات لا يعني أنّ الاتصالات مقطوعة بين المقار الرسمية المعنية بالتوليفة الحكومية، أو بقصر الاليزيه. لا بل ينقل بعض اللبنانيين عن مسؤولين فرنسيين تأففهم من “الزحف” اللبناني إلى باريس سواء عبر “الايمايل” أو الاتصالات أو حتى الزيارات المباشرة طلباً للتوزير أو عرضاً لبعض السير الذاتية، فيما يؤكد الفرنسيون أنهم ليسوا في وارد اقحام أنفسهم في مستنقع التفاصيل والأسماء ويفضّلون تركها للمعنيين من اللبنانيين.

 

ورغم “ادعاء” القوى السياسية الداعمة للحكومة أنّها تنأى بنفسها عن حراك رئيس الحكومة المكلف وتترك له حرية التأليف والتمحيص في السير الذاتية، لكن رادارات بعض المواكبين ترصد حركة من نوع “استدعاء” شخصيات من الاختصاصيين ذوي السمعة الطيبة والخبرة في مجالاتها، لتبني توزيرها وتقديمها على أنّها من المستقلين، قد تفاجئ الرأي العام بكونها “خلنج” وغير مستهلكة، لكنها فعلياً قد تكون مرتبطة بالأحزاب السياسية.