Site icon IMLebanon

الإنقلاب السياسي الفرنسي مغامرة مع المجهول

فرنسا تكمل في الإنتخابات النيابية ما بدأته في الإنتخابات الرئاسية: أكبر انقلاب سياسي في تاريخ الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال شارل ديغول قبل ستة عقود. الذين صنعوا الإنقلاب بسلاح من ورق في صناديق الإقتراع هم ناخبون قلقون قادتهم التجارب الى خيبة الأمل والغضب على السياسيين والأحزاب في يمين الوسط واليمين المتطرف ويسار الوسط واليسار المتطرف. والذين جيء بهم الى السلطة هم، في معظمهم، من خارج اللعبة السياسية التقليدية. فلا ايمانويل ماكرون الشاب الذي صار رئيساً للجمهورية خاض أية معركة انتخابية قبل الإنتخابات الرئاسية. ولا الذين انضموا الى حزبه الوليد الجمهورية الى الأمام وترشحوا للإنتخابات النيابية وتقدّموا على المرشحين الآخرين في الدورة الأولى لديهم خبرة سياسية، وإن كانوا أصحاب اختصاصات في المجتمع المدني.

والعنوان العام هو رحلة الى المجهول.

شيء من رفض المعلوم الذي خاب الأمل فيه، سواء خلال حكم اليسار الإشتراكي أو اليمين الديغولي. وشيء من الرهان على المجهول وسط الأمل في أن يكون أفضل

تحت شعار: لا يمين ولا يسار الذي رفعه ماكرون. لكن هذه مغامرة ليست مضمونه. فلا المجهول مجهول تماما، إذ جاء ماكرون الى الأليزيه من مصرف روتشيلد ثم عمل مستشارا للرئيس فرنسوا هولاند ثم نائبا لأمين عام الرئاسة ثم وزيرا للاقتصاد في حكومة مانويل فالس. ولا مواجهة التحديات الكبيرة أمام فرنسا هي مسألة حلول وأفكار بسيطة.

ذلك ان الوجه الآخر لما جرى في الدورة الأولى من الانتخابات النيابية هو ان ٥١،٢% من الناخبين امتنعوا عن التصويت، بما يعني رفض المعلوم والمجهول معا. وأصوات ال ٤٩% من الناخبين توزعت بين مرشحي الأحزاب التقليدية ومرشحي حزب الرئيس الجديد مع أرجحية لحصول ماكرون على أغلبية لتسهيل مهمته في تحقيق برنامجه.

لكن برنامج ماكرون حمّال أوجه. فهو في الشق السياسي الخارجي نسخة من سياسة هولاند، مع شيء من التشدد في الشكل، مثل الضغط على كفّ الرئيس دونالد ترامب خلال مصافحته، والتركيز على الخلاف حول سوريا وأوكرانيا مع الرئيس فلاديمير بوتين خلال محادثاتهما في قصر فرساي. وهو في الشق الاقتصادي نسخة نيوليبرالية من سياسة اليمين مرشحة لأزمة مع نقابات العمال حيال الانحياز الى أرباب العمل.

ولا شيء في النهاية اسمه لا يسار ولا يمين، وخصوصا في فرنسا التي ولد فيها تاريخيا تعبير اليمين واليسار. ولا مهرب من المثل الفرنسي القائل: القلب الى اليسار، لكن محفظة النقود الى اليمين.