منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها الرئيس إيمانويل ماكرون الى الحكم… تبيّـن ان موقع الرئاسة في فرنسا قد سقط… خصوصاً ان رئيساً مثل شارل ديغول أو رئيساً كجاك شيراك أو ڤاليري جيسكار ديستان لا يمكن مقارنتهم بالرئيس الحالي الضعيف إيمانويل ماكرون…
الفشل ليس داخلياً فقط بل تعدّى الفشل ذلك وامتد الى الخارج… ولنأخذ مثلاً عندما وقع حادث تفجير مرفأ بيروت، كلف ماكرون نفسه وسافر الى لبنان في اليوم الثاني لجريمة تفجير المرفأ، والتي قامت بها إسرائيل… وكانت إسرائيل قد أعلنت بعد التفجير في بيان لها ان سلاح الجيش فيها والطيران الاسرائيلي هو الذي أقدم على عملية ناجحة دمرت خلالها مخازن لـ”الحزب العظيم” في مرفأ بيروت، ولكنها بعد توزيع الخبر من خلال وكالات أنباء عالمية عادت و”سحبت كلامها” بعد إدراكها فظاعة الجريمة الكبرى ضد الانسانية التي ارتكتبها، وأنها لا تتحمّل ردود فعل المجتمع الدولي ضد هذه العملية.
بالفعل، جاء ماكرون في اليوم الثاني للجريمة الاسرائيلية ضد الانسانية، وحاول أن يجتمع مع القادة اللبنانيين، ودعا الى تشكيل حكومة، وقال يومذاك إنه يوجد نقطة واحدة ممكن أن نتجاوزها، وهذه “النقطة الصغيرة” كانت طلب الحزب أن لا تُـجرى انتخابات مبكرة… ولكن يبدو أنّ محاولته باءت بالفشل.. لأنه لا يملك أوراقاً يمكن أن يستعملها بقوّة لفرض الحلّ على اللبنانيين. وهذه نقطة ضعف عنده.
وهكذا فشل في المساعدة على تشكيل حكومة. والمصيبة الأكبر انه حاول أن يلعب دوراً في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولذلك عيّـن مندوباً خاصاً له هو جان إيف لودريان، وهذا المندوب لاقى أيضاً فشلاً كبيراً، والمصيبة الأكبر ان الرئيس ماكرون لم يتراجع ولم يتعلم ولم يتعظ بأنّ لا دور له على الصعيد الخارجي، فكان فشله كذلك في اللجنة الخماسية.
باختصار، تبيّـن انّ الأدوار الكبيرة التي كانت فرنسا تلعبها، وبالأخص في لبنان، فشلت فشلاً ذريعاً. والمصيبة ان الرئيس الفرنسي لا يزال يأمل بأن يلعب دوراً، ولذلك فإنّ الفشل الخارجي انعكس أيضاً على الوضع الداخلي، لأنّه سيقبل بالتعايش مع رئيس حكومة يميني… وهنا التناقض التام في السلطة… هذا إذا اكتملت الانتخابات الفرنسية بتقدّم اليمين، كما حصل في الدور الأول من هذه الانتخابات.
وقبل العودة الى الفشل الداخلي وتقدّم اليمين، أذكّر القراء الأعزاء بانقلاب النيجر الذي أظهر فشل سياسات ماكرون المتخبّطة في أفريقيا. لقد أدّى هذا التخبّط في المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا الى ما لا يحمد عقباه. فالنيجر كانت تُعَدّ -الى وقت قريب- من أكثر المستعمرات الفرنسية السابقة استقراراً بمنطقة الساحل الافريقي، لكنها لم تَعَد كذلك الآن بعد الإطاحة بحكومتها، شأنها شأن بوركينا فاسو ومالي.
إلى ذلك، كشفت مقابلات أجريت مع أكثر من عشرة مسؤولين وخبراء فرنسيين وأفارقة ودوليين حاليين وسابقين بأنّ العلاقة المضطربة بشكل متزايد والمفكّكة في كثير من الأحيان بين فرنسا ومستعمراتها الافريقية العشرين السابقة، وضعف شخصية ماكرون في اتخاذ قرارات صائبة أزّم العلاقات بين فرنسا والمستعمرات العشرين السابقة، وبدأ ماكرون يواجه في أفريقيا موجة من الغضب التي اعتبرتها أجيال من الزعماء الفرنسيين بمثابة الفناء الخلفي لبلادهم، وواحدة من آخر بقايا امبراطورية بلادهم، التي كانت تغطي الكرة الأرضية ذات يوم. حتى ان السخرية من الفرنسيين أصبحت أقوى صرخة في مختلف أنحاء أفريقيا الناطقة بالفرنسية، حيث تُلقي الأنظمة الانقلابية وزعماء المعارضة ونشطاء المجتمع المدني اللوم على فرنسا وحكمها الاستعماري السابق لسنوات من التخلّف وسوء الادارة الحكومية.
وكان ماكرون أوّل رئيس لفرنسا وُلد بعد نهاية الحقبة الاستعمارية، إذ بدأ رئاسته عام 2017 بتعهد بإعادة ضبط علاقة بلاده مع مستعمراتها الافريقية السابقة.
وأعود لأذكّر أيضاً بفشل ماكرون وأنصاره في انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي حيث تقدّم اليمين الفرنسي أيضاً.
وأختم لأقول:
إنّ إعلان وزارة الداخلية الفرنسية يوم الأحد ان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية تظهر حصول حزب التجمع الوطني اليميني المتطرّف الأغلبية حوالى 33% من الأصوات الشعبية في الجولة الأولى لمارين لوبان زعيمة اليمين المتشدّد في فرنسا بالقول: إنّ ماكرون فشل فشلاً ذريعاً وانتهى زمنه…
فهل فعلاً دخلنا في بداية مرحلة نهاية ماكرون؟؟