ليست التحليلات التي يتمناها البعض يُدركها، وتجري الرياح الرئاسية كما تشتهي «الدُول» الخارجية. لم يذهب رئيس «تيار المردة» الى فرنسا ليتبلغ ضرورة انسحابه من السباق الرئاسي، ولم يزرها لتتويجه على كرسي بعبدا، فكانت الزيارة بداية بحث جدي في ترشيحه، فإما يعبر سليماً، وإما يتنحى بقرار منه بعد خسارة الرهان وصعوبة النجاح، وكل ذلك يبقى مرتبطاً بموقف السعودية اولاً، وبعض المواقف الداخلية ثانياً.
في الخارج، حلفاء لفرنجية يدعمون ترشيحه مثل إيران، سوريا، روسيا وفرنسا، وأيضاً دول أساسية لا تعارض وصوله بالبرنامج السياسي المناسب، كأميركا وقطر، ودول لا تزال تنتظر قبل تحديد موقفها مثل السعودية، لكن اللافت أن كل مواقف الدول الحليفة واللامعارضة في كفة، والموقف السعودي في كفة ثانية، من حيث قوة الموقف وتأثيره.
في اللقاء الفرنسي – السعودي الأخير، اقتنعت فرنسا بأن المملكة تبحث عن البرنامج لا الاسم، لذلك لم تُعجب الرياض بطرح المقايضة الفرنسي، ومن هنا جاءت الدعوة الفرنسية الى فرنجية لزيارتها، وفي فرنسا كان نقاش متقدم للمرة الأولى حول البرنامج والمواقف والضمانات، التي قدمها فرنجية.
وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، سأل الفرنسيون فرنجية عن معاني كلامه الذي أطلقه من بكركي حول قدرته على تحصيل بعض النقاط من حزب الله وسوريا، لا يقدر سواه على تحصيلها، وما يقصده بخصوص الاستراتيجية الدفاعية، وما اذا كان الكلام سيبقى كلاماً أم أنه ناقش الامر مع حزب الله من قبل، وحصل منه على تأكيدات وضمانات بشأن الاستراتيجية وقبول نقاشها والالتزام بما يصدر عن النقاش، وموقفه من المسائل الأساسية التي تهم الغرب والدول العربية، والموقف من صندوق النقد الدولي وبرنامجه الذي قد يشكل امتحاناً أساسياً أمام أي حكومة قبل تقديم المساعدات لها، والموقف من سوريا والحدود والنازحين، وموقع لبنان عربياً وعلاقته بإيران، والأهم بحسب المصادر، موقفه من تركيبة السلطة في الحكومة الأولى.
قدّم فرنجية رؤيته السياسية والاقتصادية للفرنسيين، واجاب على كل التساؤلات السعودية التي نقلها اللسان الفرنسي، الذي سينقل قريباً ما سمعه الى الرياض لاستكمال الحوار، وترى المصادر أن السعودية ستتروى بعض الشيء قبل الإجابة، لأنها تعتبر لبنان جزءاً من كلّ، والكلّ هو الاتفاق الايراني معها.
وبحسب المصادر لا يمكن توقع إجابات حاسمة سعودياً قبل لقاء وزيري الخارجية الإيرانية والسعودية، وقبل معرفة المسار اليمني الذي له الاولوية، مشيرة الى أن تسليم السعودية بتسوية لبنانية قبل انتهاء امتحان النيات للاتفاق الإيراني – السعودي أمر مستحيل، وهذا ما تدركه باريس جيدا، لكن ما حصل في فرنسا بالغ الأهمية سواء لناحية تسريع وصول فرنجية الى الرئاسة، أو تسريع تنحيه عن الترشح لمصلحة مرشح آخر.
وفي حال تمكن فرنجية من الاستحصال على موافقة سعودية، تشدد المصادر على ضرورة انتظار كيفية انعكاس الموافقة السعودية على مواقف القوى الداخلية، فهل يمكن لهذه القوى أن تعرقل تسوية مكتملة العناصر بالخارج؟ لا تظنّ المصادر وجود قدرة تعطيلية بهذا الحجم للقوى الداخلية، لكن تسويق أي تسوية يحتاج الى مقدمات، وعندما نتلمّسها يمكن القول عندئذ إن التسوية باتت قريبة.