Site icon IMLebanon

الترجمة العملية للبيان الفرنسي – السعودي

 

 

ممنوعٌ أن يسقطَ لبنان. القرارُ اتّخذ. وما مسارعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان إلا لتثبيت لبنان في حاضنة الحرّيّة والحضارة والسلام. ولا يمكن بعد اليوم أن يُسمَحَ بتحوّل لبنان من دولة أنموذج في العيش معاً، ورسالة في الحوار والتلاقي والسلام إلى جمهوريّة فاشلة تضع رقبتها تحت مقصلة الأيديولوجيا العنصريّة التي لا تشبه إلا جزءاً يسيراً من اللبنانيّين الذين متى ذاقوا طعم الحرّيّة من جديد، سيعودون حتماً إلى حاضنتهم الوطنيّة الأصيلة حيث من المفترض أنّهم أبريوريّاً. وتبقى الإشكاليّة الكبرى في كيفيّة ترجمة البيان المشترك الفرنسي – السعودي.

 

فما اتّفق عليه في الرياض هو مبتغى اللبنانيّين جميعهم، لو أنّ البيئة التي كانت حاضنة لخطّ طهران لا تستطيع أن تجاهر بذلك. لكنّ الجوع لا يميّز بين شخص وآخر، وما اشتهاء الرّغيف إلا اشتهاء وجوديّاً لا يمكن أن يتخلّى عنه أيّ عاقل مقابل كليشيهات سقطت بعد سقوط مقولة “البيئة الحاضنة لا تجوع لأنّها تأكل كرامة”. فشبع الكرامة لن يسكت جوع الرّضّع والأطفال والكهول.

 

مَن يقرأ ما اتّفق عليه من حيث تطبيق الدّستور، وحصر السلاح بيد الدّولة، وضبط الحدود ومنع تصدير المخدرات، وتنفيذ القرارات الدّوليّة يعتقد للوهلة الأولى أنّ المستحيل أسهل الوصول إليه من الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف الثلاثة. لكن إن دلّ ذلك على شيء فهو يدلّ حتماً على أنّ المرحلة الجديدة التي سيقدِمُ عليها لبنان لن تكون كسابقاتها؛ بل هي ستكون مرحلة استعادة الدّولة من الدّويلة التي نجحت بخطفها بمساعدة طرواديي الوطن الذين أدخلوا حصان الخشب اليابس إلى قلب غابات الأرز الخضراء.

 

أمّا استعادة الدّولة فستكون أوّلاً باسترجاع القدرة الدستوريّة التي تؤمّن الوجود السياسي للفريق السيادي من أركان الدّولة اللبنانيّة. ولعلّ هذا ما سيدفع بالسياديّين الأحرار إلى المزيد من التراصّ والتعالي عن الخلافات داخل البيت الواحد، وهذا ما سيسمح بتشكيل إطار جبهويٍّ سياديٍّ ستُخاض على أساسه الانتخابات النيابيّة القادمة. وهذا ما يضع الخطّ الايراني في لبنان بحالة المأزوميّة السياسيّة لأنّه إن خسر حضوره الأكثري في البرلمان فهو سيخسر بقدرة الديموقراطيّة ما استطاع الحصول عليه بالتحايل على هذه الديموقراطيّة بالذات. وهذا ما يدفعنا إلى الاستنتاج بأنّه سيسعى بكلّ ما أوتي من قوّة شرعيّة وغير شرعيّة للإطاحة بالعمليّة الديموقراطيّة.

 

لكنّه لن يستطيع النجاح بمسعاه هذا، لأنّ القضيّة اليوم باتت تحت مقصلة المجتمع الدّولي، والانتخابات إن لم تتمّ ستفرَض فرضاً. فمن غير المسموح بعد اليوم إبقاء لبنان في دائرة اللا دولة واللا شرعيّة. ومن غير المسموح أن ينتقل لبنان إلى الحاضنة الايرانيّة. فالجيش اللبناني تحرّر من العقيدة البعثيّة التي زُرِعَت فيه طوال خمس عشرة سنة وصاية بعد الطائف. والأداء النوعي الذي مارسه في ملفّ غزوة عين الرمانة جعله قبلة أنظار العالم إيجابيّاً، وقبلة أنظار حارة حريك والشام وطهران سلبيّاً. ولا يعتقدنّ أحد أنّه يستطيع أن يسلب إنجازات الجيش كما نجح بتجيير معارك تحرير الجرود.

 

أمّا القضاء، فهو بخير لأنّه لم يخلُ من القضاة النزيهين. ولعلّ هذا ما دفع إلى تسريب مقولة ” القضاء ليس بخير”. وما ردّ رئيسة الغرفة 12بالتكليف في محكمة الإستئناف المدنية طلب ردّ البيطار المقدم من الوزير السابق يوسف فنيانوس شكلاً لعدم الإختصاص، إلا ترجمة لمقولة القضاء ما زال بخير. وهذا ما يعني حكماً عودة المحقق العدلي إلى ممارسة نشاطه بعدما كُفّت يده لأسابيع. ولعلّ هذا ما يطمئن المجتمع الدّولي والعربي لأنّ آليّة القانون ما زالت قادرة على التأثير في سير العدالة. وهذا ما يخيف من يُشَارُ إليه بأصابع الاتّهام. وهذا ما سيضع القضاء في الفترة القادمة تحت المجهر الدّولي، لا سيّما وأنّ صدور القرار الظنّي بات قريباً جدّاً. وقد يشكّل العنصر الذي سيبدِّل موازين المواجهة السياسيّة في الساحة اللبنانيّة التي ستنعكس راحةً إقليميّة وترجمة غير مباشرة لما دار بين ماكرون وبن سلمان.

 

فالجيش والقضاء تحت المجهر. يبقى أنّ الابتزاز الايراني الذي نجحت طهران بممارسته في الجولات السبع المفاوضاتيّة السابقة قد سقط بعد فشل الجولة السابعة، وهذا ما قد ينعكس إضعافاً جديداً لمحورها في المنطقة. ولن يسلم اللبنانيّون الذين قدّموا لها الطّاعة من هذه التأثيرات. أمّا حياة الدستور والقرارات الدّوليّة فستبقى مرتبطة بقدرة المجتمع الدّولي على الضغط على إيران. وهذا ما لمسه لمساً حسّيّاً أزلامها في العواصم الأربع، ناهيك عمّا تعرّضت له منشأة نطنز وميناء اللاذقيّة من ضربات غامضة وواضحة، كلّها تأتي في سياق واحد وهو: تقليم أظافر هذا المحور. وهذا ما سينعكس ترجمة على أرض الواقع لما دار في الرياض.

 

ومخطئ مَن يظنّ أن البيان المشترَك سيبقى حبراً على ورق. لكن لا يعني هذا أنّ اللبنانيّين معفيّون من أداء الواجب المطلوب منهم. لذلك، رصّ الصفوف أوّلاً، والتعالي عن كلّ ما هو شخصيّ وفرديّ خدمة لما هو وطنيّ ووجوديّ. والوقوف سدّاً منيعاً بوجه هذا الدويتّو، المنظومة والمنظّمة، ثانياً. وتبقى النقطة الثالثة وهي الأهمّ وقوامها: ترجمة عمليّة لهذا الوجود السيادي، إن لم يُتَحْ بوساطة الديموقراطيّة من خلال العمليّة الانتخابيّة المرتقبة، فعلى النّاس أن يستفيقوا من خَدَرِهِم ليقولوا الكلمة الفصل، لأنّ الفرص لو تكرّرت، لن تكون بالمفاعيل نفسها. ومَن له أذنان للسماع… فليسمع !