Site icon IMLebanon

القصة الكاملة لـ«إتفاق اليرزة»

 

قبل عشرة أيام تقريباً، دخل مخيم «المية والمية» الفلسطيني المحاذي لبلدة مغدوشة، في مرحلة جديدة بعد اتفاق تمّ بين الجيش اللبناني وفصائل «فتح» و»حماس» و»أنصار الله» التي تملك وجوداً عسكرياً في هذا المخيم. ما هي تفاصيل هذا الاتفاق؟ وماذا عن مجريات النقاشات التي سبقته في مقر مديرية المخابرات في اليرزة؟

 

منذ أشهر، دارت اشتباكات عنيفة في «المية ومية» بين «فتح» من جهة و«أنصار الله» من جهة أخرى، ما أوقع خسائر بشرية ومادية في المخيم، كذلك ساد القلق والترقب في الجوار اللبناني، خصوصاً في بلدة مغدوشة القريبة من صيدا.

 

ولئن كان مسار الاحداث قد أفضى في نهاية المطاف الى خروج قائد «أنصار الله» جمال سليمان من المخيم، إلّا انّ عوامل التوتر بقيت كامنة تحت «قشرة رقيقة» من الهدوء، وسط استمرار وجود السلاح والعناصر المتأهبة، فيما كان الجيش يسعى الى معالجة أكثر جدية وشمولية لهذا الملف، على وقع مطالبات من أهالي مغدوشة والقوى السياسية المسيحية بإيجاد حل جذري لمشكلة «المية ومية» وتداعياتها على المحيط اللبناني.

 

وبناء عليه، بادر الجيش الى إجراء اتصالات مع الفصائل الفلسسطينية المعنية، ثم عُقِد لقاء في مكتب مدير المخابرات العميد انطوان منصور في مقر وزارة الدفاع في اليرزة، حضره ممثلون عن «فتح» و«حماس» و»أنصار الله». دفع الجيش خلال هذا الاجتماع في اتجاه نزع السلاح من المخيم وتسليمه الى الدولة، لكنّ ممثلي الفصائل، لاسيما منها «حماس» و«أنصار الله»، رفضوا هذا الطرح على قاعدة انّ هيئة الحوار الوطني اللبناني التي اجتمعت عام 2006 في مجلس النواب، لم تلحظ نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات وإنما تنظيمه. وبالتالي، فهم اعتبروا انّ طلب الجيش يتعارض مع المنحى الذي سلكته طاولة الحوار.

 

إستمر الأخذ والرد بين الطرفين لبعض الوقت، الى أن تمّ التوافق على صيغة تتضمن الآتي:

 

– إلغاء المظاهر المسلحة كلياً في «المية ومية».

 

– جمع السلاح في مستودعات داخل المخيم، بحيث يتولى كل فصيل جمع سلاحه في مستودع منفصل.

 

– السماح لحركة «فتح»، التي كانت قد استقدمت عناصر وأسلحة ثقيلة ومتوسطة الى المخيم خلال المعارك بإعادتها الى مخيم «عين الحلوة» تحت إشراف الجيش.

 

– تحويل المراكز العسكرية مراكز ثقافية واجتماعية.

 

– إزالة الحاجر التابع لـ»الأمن الوطني الفلسطيني» عند مدخل المخيم وإقامة حاجز للجيش مكانه.

 

– تسليم أي مُطلق للنار الى الدولة اللبنانية فوراً.

 

أمّا بالنسبة الى مسألة تسيير دوريات للجيش أو نصب حواجز تفتيش في عمق المخيم فهي ليست واردة حالياً، وربما يُصار الى البحث فيها لاحقاً.

 

وعُلم انّ اجتماعاً آخر عُقد قبل ايام في وزارة الدفاع بين مدير المخابرات وممثلي الفصائل الفلسطينية المعنية، عُرِضَ خلاله ما طُبّق من إجراءات على الارض، ترجمة للاتفاق، وقد أبدى المجتمعون ارتياحهم الى مسار الاوضاع والمراحل التي قطعها التنفيذ. كذلك، تم تشكيل لجنة مشتركة من «حماس» و«فتح» و«أنصار الله» للتنسيق والمتابعة مع مخابرات الجيش في صيدا.

 

ويوضح مصدر فلسطيني مطّلع انّ هناك احتمالاً لأن يُعمّم مستقبلاً نموذج «المية ومية» على مخيمات «البص» و«البرج الشمالي» في صور و«شاتيلا» في بيروت، لافتاً الى انّ وضع «عين الحلوة» مختلف لأنه أكثر تعقيداً، وبالتالي هو لا يخضع للمقاربة نفسها.

 

ويشير المصدر، الذي واكب الاتفاق في شأن «المية ومية»، الى انّ أي محاولة لنزع السلاح الفلسطيني ليست في محلها الآن، ربطاً بالظروف السائدة.

 

ويضيف: «المنطقة تغلي فوق صفيح ساخن، التوتر بين ايران والولايات المتحدة مفتوح على كل الاحتمالات وأي مواجهة بينهما قد تستتبعها حرب بين اسرائيل ومحور المقاومة، «صفقة القرن» قيد التحضير بكل ما تحتويه من ضرب لمبدأ «الدولة الفلسطينية» و«حق العودة»، وأوضاع اللاجئين في مخيمات لبنان صعبة بسبب حرمانهم من الحقوق المدنية، فكيف يمكن وسط كل هذه التعقيدات والتحديات ان نوافق على نزع السلاح وإسداء خدمة مجانية لإسرائيل؟».

 

ويشدد المصدر على «انّ السلاح الموجود في المخيمات لا يجب ان يُستخدم في نزاعات داخلية، وهذا أمر محسوم، لكن تبقى هناك حاجة اليه لمواجهة المخاطر الاسرائيلية». مشدداً على «انّ هذا السلاح سيكون الى جانب المقاومة في لبنان عند الضرورة». ويلفت الى «انّ نزع السلاح في هذا التوقيت، ومن دون ضمان عودة اللاجئين، يعني التجاوب مع «صفقة القرن» التي من شأنها ان تضع المسؤولية الكاملة عن اللاجئين على عاتق الدول المضيفة»، لافتاً الى «انّ الدولة اللبنانية سترزح عندها تحت أعباء ضخمة، بدلاً من ان تتحملها وكالة «الأونروا». فهل هذا هو المطلوب؟».

 

ويدعو المصدر الدولة الى التخفيف من وطأة الاوضاع الاجتماعية المزرية في المخيمات، لتشجعيها على الخوض في تجربة تنظيم السلاح.