Site icon IMLebanon

القصّة الكاملة لعملية 30 حزيران

بقيَ قيد المعالجة من الجنود اللبنانيين الذين جرِحوا خلال مداهمة فوج المجوقل لمخيّمي النازحين السوريين (النور والقارية) في عرسال يوم 30 حزيران الماضي، ثلاثة جنود، وينتظر أطبّاؤهم مرورَ الوقت المطلوب طبّياً، للتأكّد من عدم تضرّرِ بصرِهم بشكل كامل.

تُسطّر قصة إصابة أحد هؤلاء الجنود الثلاثة ملحمة فداء وشرف. فمع وصول دورية من الجيش لتفتيش إحدى الخيَم، وجدت إرهابياً زنَّر نفسَه بحزام ناسف، واحتجز اسرتَه كدرعٍ بشري.

حاولت الدورية اقناعَه بتسليم نفسه، أو بدايةً إخراج اسرتِه من الخيمة. وبعد جهد تفاوُضيّ معه، سَمح الارهابي لافراد اسرته بالخروج، وأبقى داخل الخيمة احدَ اطفالِه، وهنا دخل جندي لبناني الخيمة وحملَ الطفل الى خارجها، ولكن عند وصوله باب الخيمة فجّر الارهابي نفسَه، فأصيب الجندي في وجهه، وثمّة خطر يواجهه الآن من فقدان بصرِه.

يُستفاد من هذه القصة أنّ نجاح الجيش بحربِه الاستباقية ضد الإرهابيين ليس أمراً من دون كلفة يدفعها على غير مستوى، وبينها المستوى الإنساني الذي يجعل الجنديَّ اللبناني يعرّض نفسَه للشهادة او فقدان نظره، كما حصل مؤخرا، من اجلِ إنقاذ طفل لم يَرحمه والده الارهابي، وليس فقط من اجلِ مهاجمة الارهابيين في عقر دارهم لمنعِهم من التسلل الى المدن والقرى اللبنانية لتفجير أنفسهم بين الناس.

ما يمكن الاشارة اليه، ولو بمفعول رجعي بخصوص النتيجة التي حقّقتها عملية الجيش النوعية في 30 حزيران الماضي في مخيّمي القارية والنور التابعين للنازحين السوريين، هو انّها حقّقت كل اهدافها الانسانية والامنية والاستباقية. فعلى المستوى الاستباقي عطّلت العملية تنفيذَ سبعِ علميات تفجير ارهابية كان يتمّ التحضير لتنفيذها داخل مدن وقرى لبنانية.

فالإرهابيون الاربعة الذين فجّروا انفسَهم بدوريات الجيش داخل المخيمين كانوا مشاريع انتحاريين سيرسَلون الى الداخل اللبناني عندما تحين لهم الفرصة، والعبوات الاربعة التي فكّكها الجيش في المخيمين كانت ايضاً عبوات معَدّة لتصديرها الى اهداف مدنية في مناطق مختلفة من لبنان.

اضِف الى ذلك انّ الهدف الاساس من العملية النوعية، وهو القبضُ على مشغّلَين اثنين ومموّل للخلايا الارهابية داخل لبنان كانوا داخل مخيمات النازحين في عرسال، أُنجِز ولو بشكل استدراكي، رغم انّ الحملة الاعلامية المشبوهه التي حاولت التشويش على نظافة عملية الجيش يوم 30 حزيران شكّلت لهؤلاء المطلوبين الاساسيين غطاءً دخانياً نجحوا في استغلاله لفترة قصيرة في محاولتهم للإفلات من قبضة الجيش.

وفي التفاصيل:

أوّلاً – بدأ التخطيط لمهاجمة الارهابيين بعد ساعات قليلة من العملية الارهابية في رأس بعلبك خلال شهر ايار الماضي. آنذاك نجحت مخابرات الجيش بعد 24 ساعة فقط من توقيف سائق السيارة الذي نقل المتفجّرة الى رأس بعلبك، وبعد اقلّ من 24 ساعة تالية كان قد أوقِف الارهابي الذي احضَر العبوة والذي فجّر نفسَه خلال نقله الى داخل شاحنة للجيش.

ثمّ توصّلت تحقيقات مخابرات الجيش الى معرفة الرأس المدبّر للعملية، وهما ياسر الغاوي وشقيقه نبيل الغاوي. وتكمنُ خطورة الاخيرين في انّهما لم يكونا معروفَين للاجهزة الامنية اللبنانية. وطوال شهرين بعد عملية رأس بعلبك، انقطعت اخبار الشقيقين الغاوي، وعبثاً حاولت الاجهزة الامنية تعقّبَ اتصالاتهما الخلوية.

ومع نهايات شهر حزيران ارتكب ياسر الغاوي خطأً حينما اجرى مكالمةً هاتفية قادت مخابرات الجيش لتحديد مكانه داخل مخيّم النور، وايضاً تحديد مكان شقيقه. وفي الوقت ذاته، تمّ التعرّف على مموّل عملية رأس بعلبك الارهابية وهو حسين جودة المتواري.

كانت الفكرة لدى مخابرات الجيش في الاساس القبضَ على الشقيقين الغاوي، ولكن معاينة مكان اقامتهما داخل مخيم النور والقارية أثارت مخاوفَ من وقوع قتلى بين النازحين وقوّة الجيش المهاجمة.

ولذلك تمّ اللجوء إلى تنفيذ خطة نجحت مرّات عدة في السابق، وقوامُها استدعاء فوج المجوقل لحصار المخيّمين ثمّ إخراج النازحين منهما وفرزُهم لفئات عمرية، وبالتالي التحقيق مع من يظهر انّه مشتبَه به بينهم، وبعد ذلك يصار الى دخول المخيمين لتفتيشهما والبحث عن الاهداف المرصودة مسبقاً.

مع وصول دورية الجيش المداهمة للخيمة الثالثة في مخيّم النور وقع انفجار الانتحاري الاوّل فأصيبَ عدد من الجنود، ثمّ تتالت عمليات تفجير الانتحاريين الثلاثة أنفسَهم. وبقيت ملامح وجوه ثلاثة منهم، فيما تحوَّل الانتحاري الرابع الى اشلاء، وهو الذي كان يحتجز عائلته وفجّر نفسَه بالجندي اللبناني الذي كان يحمل ابنَه الطفل.

ثانياً – لم يُعتقل ياسر ونبيل الغاوي خلال العملية. كان ياسر المطلوب الاساسي قد ترَك المخيم وقضى ليلته السابقة عند عشيقته. ويبدو انّه استشعر بتحرّكِ آليات المجوقل وهي تتقدّم نحو المخيّم وهرب الى داخل بلدة عرسال حيث اختبأ في منزل تاجر سلاح لبناني يدعى خالد عز الدين. امّا شقيقه نبيل فهرَب الى بكفيا، ولكنّ فرع المعلومات نجح في رصدِه وتمّ إلقاءُ القبض عليه.

لا شكّ في انّ حملة التشويش على نظافة العملية ساهمت لفترة في تشتيت جهود مخابرات الجيش بمتابعة الشقيقين الغاوي ولكنّ ذلك لم يحُل دون القبض عليهما بعد اقلّ من 24 ساعة.

لقد حرصَ الجيش منذ البداية على إحالة النازحين الـ 356 الذين تمّ توقيفهم للقضاء، وأظهر التحقيق معهم انّ 257 منهم دخلوا لبنان قبل اربع سنوات بشكل غير شرعي، واستنكفوا عن تسويةِ وضعهم القانوني رغم انّ مديرية الامن العام فتَحت داخل عرسال مركزاً لها لتسهّلَ على النازحين تسوية إقامتهم بشكل قانوني. أخليَ سبيل 60 منهم وبقيَ 43 قيد التوقيف لوجود تهمٍ امنية في حقّهم.

امّا جثث الموقوفين الاربعة الذين ماتوا بشكل طبيعي، فنَقلت المحامية د. ش. العيّنات الـ 15 التي استخلصها الطبيب الشرعي من الجثث من مستشفى زحلة مستعينةً بقرار من قاضي الامور المستعجلة، وذهبَت بها إلى «أوتيل ديو» حيث أخفيَت في غرفة مظلمة، متجاوزةً بذلك قرارَ مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود الذي تَدخّلَ لإعادة العيّنات إلى سلطة تحفظ النيابة العامة عليها وفق الإجراءات القانونية المعتمدة في مثل هذه الحالات.