IMLebanon

الرواية الكاملة لمعركة «الميِّة وميِّة»: ما الرسائل.. وكيف تصرّف بري ونصرالله؟

 

ما هي حقيقة أحداث مخيم المية ومية الفلسطيني؟ هل «نواتها» فردية وأبعادها محلية، أم يجب العدّ حتى المئة قبل الأخذ بهذا التفسير، الذي قد لا يبدو متناسباً مع حجم الصدام بين «فتح» و»أنصارالله»؟ ماذا حصل في الكواليس وأي حسابات تتحكّم بالزناد؟

 

تنشر «الجمهورية» الرواية الكاملة لمعركة «المية ومية» وخفايا المداولات في الظل بين القوى المؤثّرة في مصير المخيم ومساره:

خلال آب الماضي، إعتقلت حركة «أنصار الله» شخصاً ينتمي الى حركة «فتح»، كان مكلفاً إغتيال أمينها العام جمال سليمان، على ما تؤكّد، وتبع ذلك استنفارات متبادلة استدعت تدخّل حركة «حماس» وحركة «امل» و«حزب الله» والشيخ ماهر حمود لمعالجة التوتر وإصلاح الامور.

 

هدأت الارض لبعض الوقت، ثم ما لبثت الإستفزازات ان تكرّرت بين الجانبين، الى ان وقع يوم الاثنين في 15 تشرين الاول الحالي احتكاك مباشر بين عناصر من «فتح» وعنصر من «أنصار الله»، سرعان ما تطور الى اشتباك في المخيم.

 

مرة أخرى، نشطت الإتصالات لتطويق المشكلة، وعُقد في اليوم التالي (16 تشرين الاول) إجتماع في ثكنة الجيش في صيدا، ضمّ الى القيادة العسكرية اللبنانية، ممثلين عن التنظيمين المعنيين و«حماس»، واتُفق خلاله على تشكيل قوة فصل من «حماس»، لكن عند المباشرة في التطبيق عدلت «فتح» عن موافقتها على هذا الطرح، فتجدّدت المشاورات واقترح الجيش إستبدال قوة الفصل بفريق مراقبين من «حماس»، يتولى الإشراف على تطبيق وقف اطلاق النار.

 

إلّا انّ الاشتباكات استؤنفت مجدداً بعد أيام، ما تطلّب جولة جديدة من اتصالات التهدئة شارك فيها الجيش والسفير الفلسطيني في بيروت وفصائل مخيم المية ومية. لم تنفع «المسكّنات» المحلية في لجم التوتر، فتواصل مسؤولو «حماس» في لبنان مع رئيس المكتب السياسي في غزة اسماعيل هنية وشرحوا له حساسية الوضع، متمنين عليه الإتصال بالرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري لحضّهم على بذل أقصى الجهد والضغط من أجل وقف التدهور في المخيم.

 

مساء الخميس الماضي، رنّ جرس الهاتف في القصر الجمهوري في بعبدا، وكان هنية على الخط، فقيل له إّن عون ليس على السمع حالياً وانّه سيهاتفه لاحقاً. في اليوم التالي، تمّ الإتصال بين الرجلين، وتمنّى هنية على رئيس الجمهورية التدخّل لإعادة الهدوء الى المخيم.

 

وكان هنية قد اتصل أيضاً بكل من بري والحريري للغاية نفسها، وقد سارع رئيس المجلس النيابي على الأثر الى الإتصال بقائد الجيش العماد جوزف عون وبحث معه في الواقع الأمني لمخيم «المية ومية» وطريقة المساهمة في معالجته. كذلك كلّف عضو المكتب السياسي في حركة «أمل» محمد الجباوي بتفعيل الوساطة، حيث بادر الأخير على الفور الى ترتيب اجتماع ضمّ ممثلين عن «فتح» و»أنصار الله» و»حماس»، وتقرّر وقف إطلاق النار ابتداءً من الساعة العاشرة والنصف ليل الخميس.

 

صباح اليوم التالي، بدا الوضع هادئاً على الأرض، فيما دعا «حزب الله» الى لقاء مصالحة قبل صلاة الجمعة في مقرّ المجلس السياسي للحزب في حارة حريك، بغية تثبيت وقف إطلاق النار، وحضرته قيادات أساسية في «فتح» و»أنصار الله». انتهى اللقاء الى تبادل القبلات بين المتخاصمين، وتقرّر فتح صفحة جديدة والقيام بجولة ميدانية مشتركة للتأكّد من احترام التهدئة، على قاعدة إزالة المظاهر المسلّحة وتسليم أي مطلوب أو مخلّ بالأمن الى الأجهزة الأمنية اللبنانية.

 

لكن، المفارقة هي انّه وقبل أن يصل أصحاب الشأن الى المخيم، كانت المواجهات قد اندلعت مجدداً، أما العذر الذي تداوله البعض فهو أنّ هناك أفراداً غاضبين تصعب المونة عليهم بعدما فقدوا أقرباء لهم، وأنّه لا بدّ من وقت إضافي لإلزامهم بوقف إطلاق النار، الأمر الذي لم يُقنع أوساطاً فلسطينية بارزة، تميل الى الإعتقاد أنّ سبب الخروق المتكرّرة هو وجود أجندة خاصة لمجموعات ترتبط بجهة فلسطينية خارج لبنان وتتلقى الأوامر منها.

 

وإزاء هذا الواقع المتردّي، تداعت «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» الى الاجتماع، حيث تقرّر إدخال التموين الى الحيز الجغرافي الذي يُحاصَر فيه جمال سليمان وأنصاره كمبادرة حسن نية، ومن ثم المباشرة في سحب المسلحين من خطوط القتال.

 

على خط آخر، تواصلت قيادة «حماس» الموجودة في الخارج مع الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، الأربعاء الماضي، وناقشت معه التحدّيات التي تواجه القضية الفلسطينية عموماً الى جانب آخر المستجدات في مخيم المية ومية. وعُلم انّ «حزب الله» أبلغ الى من يهمّه الأمر أنّ الامين العام لحركة «أنصار الله» جمال سليمان هو خط أحمر والقضاء عليه ممنوع.

 

وتجدر الاشارة، الى انّ سليمان كان في الماضي مسؤولاً في حركة «فتح» برتبة رائد، إلاّ انّه تمرّد عليها عام 1989 حين رفض قرار قيادتها بالوقوف ضد «حزب الله» خلال معركة اقليم التفاح آنذاك، وسمح بمرور التموين للحزب عبر مكان خاضع لسيطرته، ما دفع «فتح» الى فصله من صفوفها، فقدّر «حزب الله» موقفه ورفض التخلي عنه منذ ذلك الحين.

 

وهناك من يضع ما يجري في «المية ومية» ضمن سياق سعي بعض الأطراف الى التخلّص من نفوذ «حزب الله» في المخيم، عبر تقليم أظافر القريب منه جمال سليمان، وهذا ما لا يمكن للحزب ان يتساهل معه ويتهاون فيه، خصوصاً انّ موقع المخيم حيوي، ويتحكّم بطريق بيروت – الجنوب.

 

وبينما تستمر المحاولات لنزع فتيل التفجير، ترجح مصادر فلسطينية أنّ هناك قراراً متخذاً على مستوى رفيع في رام الله (مقرّ السلطة) بإنهاء ظاهرة جمال سليمان او تحجيمها من خلال سياسة القضم الميداني المتدرج لمساحات نفوذه، خصوصاً انّ «فتح» استدعت من مخيم عين الحلوة مسؤولاً عسكرياً متمرساً ليتولى إدارة العمليات العسكرية في «المية ومية» وهو جمال قُدسيّة.

 

وتربط المصادر بين أحداث «المية ومية»، وقبله «عين الحلوة»، وبين جولات قامت بها وفود عسكرية أجنبية قبل فترة على محيط المخيمين، مبدية خشيتها من وجود مخطط لاقتلاع اللاجئين في إطار التمهيد لتنفيذ صفقة القرن.

 

وتلفت المصادر الفلسطينية الى احتمال وجود نيّة لدفع لاجئي المخيمين نحو خيارين: إما الهجرة الى الخارج، وإما التهجير الى الداخل والذوبان في المجتمع اللبناني، بحيث تتفكك التجمعات الفلسطينية، بعد القرار الاميركي بوقف المساهمات لـ«الاونروا»، توطئة لتصفية حقوق اللاجئين وتسهيل تنفيذ «صفقة القرن».

 

وتكشف المصادر، انّ عائلات فلسطينية تترك المخيمات بوتيرة تصاعدية وتهاجر الى اوروبا، بعد ان تبيع ممتلكاتها. موضحة أنّ المحطة الاولى لتلك العائلات تكون في اسبانيا ثم تتوزع على الدول الاوروبية، وهناك علامات استفهام حول أبعاد تزخيم الهجرة في هذه المرحلة، لأن التوقيت ليس بريئاً.