IMLebanon

القصة الكاملة لدور «القوات» في رئاسة عون

قيل الكثير عن مدى تأثير دعم «القوات اللبنانية» لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في وصوله إلى الرئاسة، ولعلّ أهمّها ما كشفه رئيس تيار «المردة» في إطلالته التلفزيونيّة الاثنين الفائت عندما قال «إنّ حزب الله كان يعوّل على انسحاب عون بعد ترشيحي من قبل الرئيس الحريري، لكنّ دعم الدكتور جعجع لعون قلب المعادلة وأدّى إلى تشبّث الأخير بترشيحه و»الله ما بقا يخلّي ينسحب». وما اعترف به فرنجية هو جزء من الحقيقة، نستكملها بسرد القصة الكاملة لدور «القوات» في وصول عون إلى الرئاسة.

مرّت 34 جلسة فاشلة لإنتخاب رئيس للجمهورية قبل ترشيح «القوات» لعون. وبات مؤكداً أنّ ما بعد هذا الترشيح كان غير ما قبله، إذ أعاد خلط الأوراق ورسم ملامح جديدة للاستحقاق الرئاسي، وباتت فيها حسابات كلّ الأطراف مختلفة.

لكنّ المخاض الذي مرّت فيه «القوات» لم يكن سهلاً بل تطلّب خطوات جبّارة منذ بداية خريف 2015 حيث بدأ رئيس حزب «القوات» سمير جعجع التفكير جدّياً بخيار عون للرئاسة، وكانت لتفكيره مبرّرات عديدة:

أولاً، إخراج الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة. ثانياً، إعطاء ترشيح عون بعداً مسيحياً لا يمكن للآخرين تجاوزه. ثالثاً، إقفال الطريق أمام ترشيح الحريري لفرنجية خصم «القوات» السياسي و»صديق الرئيس السوري بشار الأسد».

رابعاً، حشر «حزب الله» وفريق 8 آذار في الزاوية لأنهم كانوا يكررون أنّ عون مرشحهم وبات عليهم الوفاء بوعودهم. خامساً، جعل معراب الممرّ الإلزامي لوصول عون إلى قصر بعبدا وتكريسها مرجعيّة مسيحية لا يمكن تجاوزها.

سادساً، أعادت عون إلى البيئة السيادية من خلال موافقته على البنود العشرة التي تحدثت عن السيادة والاستقلال والخروج من منطق الوصاية السورية الإيرانية واحتكار الدولة للسلاح بحضور عون المتحالف مع «حزب الله» أصلاً.

لكنّ جعجع وجد نفسه قبل إعلان الترشيح أمام تحدّيَين:

الأول، التنازل عن ترشيحه، وهذا ما كان صعباً لأنه كان مرشحاً جدياً مع برنامج متكامل بعنوان «الجمهورية القوية»، وهذا ما تطلّب قراراً جريئاً ومشاورات حثيثة للتأكّد من مشروع عون ومدى انسجامه مع برنامج جعجع الرئاسي. لذلك سبقت ذلك لقاءات عديدة بين «القوات» و»التيار»، وتحديداً بين رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم رياشي وعضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان، تمكّنا بالفعل من التوصل لبنود مشترَكة تطمئن الفريقين، وتمّ الترشيح على أساسها.

الثاني، إقناع المحازبين والمناصرين القواتيين بهذا الترشيح. ففترة 26 عاماً من النزاع بين «القوات» و»التيار» كانت تحول دون إعلان هذا الترشيح نظراً إلى تراكمات الماضي. لكنّ جهود جعجع الكبيرة في هذا المجال، جعلت القاعدة الحزبية التي تثق به تقبل بخياره، وتخلّلت ذلك لقاءات عديدة مع القيادات والكوادر ورؤساء الأجهزة والمصالح ومنسقي المناطق. وكانت الحوارات تركّز على أهمية القرار الاستراتيجي وأهدافه وضرورة الخروج من أحقاد الماضي لمصلحة المسيحيين العليا.

لا شك في أنّ عون، قبل إعلان ترشيحه في معراب، كان محاصَراً بمبادرة رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري المؤيّدة لفرنجية، ما أدّى إلى تراجع حظوظه في الوصول إلى الرئاسة، وبات السباق يميل إلى فرنجية الذي أقرّ بأنّ «حزب الله» كان سيبادر إلى الطلب من عون سحب ترشيحه لمصلحة الأول، وبات مؤكداً أنّ رغبة «الحزب» الحقيقية وغير المعلنة كانت تصبّ في مصلحة فرنجية الحليف الوفي والأصيل لمحور الممانعة والمقاومة لأهداف استراتيجية، عكس عون الذي بدا أنه تحالف مع هذا المحور لأهداف تكتيكيّة.

لم يكن عون مرتاحاً في وضعيّته قبل «تفاهم معراب»، بل بات أسيرَ «الجمود»، بحيث لم يلقَ أيّ دعم فعلي من «حزب الله» سوى الكلام من دون أية محاولة تأثير على حليفه فرنجية للإنسحاب من السباق الرئاسي. لذلك كان جعجع صائباً في اختيار اللحظة المناسبة لترشيح عون، فكسر الجمود وأعاد خلط الأوراق وجعل عون في وضعيّة أفضل.

كثيرون بدأوا يصوّبون سهامهم إلى جعجع محاولين اتهامه بأنه يناور ولم يرشّح عون إلّا لإسقاط ترشيح فرنجية، إلّا أنّ الوقائع أثبتت في ما بعد أنّ جعجع لم يكتفِ بترشيح عون كلامياً بل قام بخطوات عديدة لمساعدته على الوصول إلى الرئاسة، بعدما بات «بيضة القبان» في حسم الموقف من ترشيح فرنجية، إذ قرّر المواجهة بالمرشح الأقل ضرراً عليه في الحسابات السياسية وأحدث دوياً في الأوساط السياسية اللبنانية والإقليميّة، وأبرز الخطوات التي قام بها جعجع هي:

أولاً، ساهم في خطابه بعد «تفاهم معراب» بكشف مناورات «حزب الله» ما ولّد شعوراً بالسخط لدى بيئة «التيار الوطني الحر» من «الحزب» وبدأت أصوات تتعالى أنّ التحالف الاستراتيجي معه لم يحقق لـ»التيار» أمراً استراتيجياً، وخصوصاً رئاسة الجمهورية منذ 18 كانون الثاني تاريخ تبنّي «القوات» ترشيح عون.

بات مناصرو «التيار» يعتبرون أنّ «الحزب» يتظلّل بهم للحصول على الغطاء المسيحي في مشاريعه الإقليمية، وبالتالي لا بدّ من التصعيد بوجهه أو التلويح بإمكانية فسخ التحالف معه لعلّه يعيد الإعتبار لحلفائه.

وفضح جعجع «الحزب» أكثر أمام العونيين، معتبراً أنه لم يقم بكلّ ما لديه لإنتخاب عون رئيساً، بل كان عليه الضغط على فرنجية للإنسحاب والضغط على رئيس مجلس النواب نبيه بري للقبول بالجنرال، وطالما أنّ ذلك لم يحصل، يعني أنّ «الحزب» لم يكن متحمِّساً لترئيس الجنرال. وهذا ما جعل الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله يُخصّص جزءاً من كلمته الأخيرة لتوضيح موقفه لمناصري «التيار».

ثانياً، لم يوفّر جعجع أيَّ مسعى صادق في دعم عون للوصول إلى رئاسة الجمهورية، فثبت أنه لا يناور، وتمثّل ذلك بأدائه دوراً أساسيّاً في تعزيز التقارب بين تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، وهو لم يوفّر جهداً لإقناع الحريري في المضي بإنتخاب عون، وخاض غمار الوساطة بين الطرفين. وقد نجح بذلك. والبعض لا يعرف أنّ جعجع بذل جهوداً حثيثة لدى المملكة العربية السعودية لتسويق عون رئيساً.

كلّ ذلك، يُبعد عنه اتهام الخصوم بأنه لا يفعل سوى المناورة، فيما لم يبادر «حزب الله» إلى فعل أيّ شيء سوى اللحاق بالركب بعدما بات عون مرشحاً لـ«المستقبل» ولـ«القوات». علماً أنّ نصرالله كان يضع على عون شروطاً للإجتماع ببري وفرنجية بدلاً من إقناع حلفائه في 8 آذار ليمشوا بعون رئيساً.

ثالثاً، نجاح جعجع في مهمته بالتوصّل إلى تفاهم بين عون والحريري، فقذف بكرة الرئاسة وكلّ ما يمت اليها من مسؤولية بعيداً من ملعبه وملعب الحريري، ليصبح الملف الرئاسي عند الفريق الشيعي وتحديداً عند «حزب الله» حليف عون، خصوصاً بعدما أعلن الرئيس بري عن خياره المؤيّد لفرنجية.

رابعاً، الزيارة الأخيرة التي قام بها جعجع لعون في الرابية جعلت الأخير يتشبّث أكثر بالنزول إلى الجلسة لمقارعة فرنجية وسط أجواء تهويل بالنصاب وبأصوات المعارضين له.

من هذا المنطلق، سيكون جعجع حليفاً ثابتاً لعهد عون سياسياً وانتخابياً، بل الشريك المسيحي الأول له، وهذا ما سيجعله يدخل الحكم من الباب الواسع بعد طول احتجاب واستنكاف.

ويبقى المكسب الأول والأخير لـ»القوات اللبنانية» هو ملء الشغور الرئاسي الموقع المسيحي الأول في الدولة اللبنانية، بمرشح اقتنعت به وتراهن على عهده لتحصيل حقوق المسيحيين وتنفيذ اتفاق الطائف وبناء الدولة اللبنانية.