رحل بطريرك الاستقلال الثاني خصوصا بعد يومي الاربعاء والخميس الماضيين، مطمئنا الى ان ما زرعه من نضال مرير في سبيل السيادة والاستقلال والحرية والعيش الواحد، والمصالحة، لا بد وان يعطي غلالا وفيرة، قياسا على التفاف الآلاف حول نعشه، ومئات الالاف حول مواقفه ووصاياه ونداءاته التي جعلت منه في حياته ومماته، شخصية بحجم رئىس دولة، وهو كان في حقيقة الامر، رئىس دولة المظلومين والمقهورين والمعذبين والمسلوبي الحرية والرأي والموقف، والمضطهدين واصحاب النيّات الحسنة، ولهذه الاسباب كلها، كان مأتمه، مأتم رئىس دولة احبّه شعبه واحترمه العالم، وكان حضور مندوبين يمثّلون دولهم ايمانا منهم بأنهم يودعون رئىس دولة عاش بالنعمة الالهية ومات فيها.
ولا بدّ هنا من الاشارة الى رقيم البابا فرنسيس الذي عدد حالات وصفات البطريرك صفير التي ستؤهله يوما الى اعلانه قديسا جديدا من لبنان.
اما رقيم البطريرك بشارة الراعي، التاريخي، الذي سجّل بأمانة واسهاب مراحل حياة البطريرك صفير الكهنوتية والاسقفية والمطرانية والبطريركية والكاردينالية، فهو يعكس تسليم الكنيسة المارونية وفي مقدمهم البطريرك الراعي، ان صفير، وما قدّمه لكنيسته ورعيته وللبنان، هو بطريرك استئنائي يسجل في خانة البطاركة الذين يشبهون البطريرك القديس مار يوحنا مارون، والجهد الذي بذله البطريرك الراعي في ايام العزاء والدفن وما قبلهما، مقدّر جدا، ويدل على محبته الخالصة للبطريرك صفير.
* * *
بالنسبة الى الاحتضان الشعبي، كانت هناك ردّة فعل قوية لدى فريق كبير من اللبنانيين لا يصدقون ان البطريرك صفير رغم سنّّه يمكن ان يموت، وهذا الفريق يحمل لصفير محبة كبيرة وعرفانا بالجميل، لمواقفه الصلبة والمشجعة ايام محنته التي استمرت طويلا، عنيت به القوات اللبنانية، ولذلك كان حضوره طاغيا يوم اخراج جثمان صفير من «اوتيل ديو» الى بكركي.
ويوم التشييع كان لافتا ان اكثر المشيّعين هم من كل لبنان، فقد شاركت بقوة القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي من خلال وفد كبير برئاسة رئىس كتلة اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط على رأس من النواب والوزراء ووفد من رجال الدين الدروز والمحازبين الاشتراكيين، مثله مثل الدكتور سمير جعجع، وجميع نواب ووزراء الحزب، ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل ونوابه، وفخامة رئىس الجمهورية العماد ميشال عون ورئىس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، وعدد كبير من الوزراء والنواب وقيادات في تيار المستقبل، وكذلك حضر رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه مع عدد من قيادات تياره، كذلك فعل التيار الوطني الحرّ اذ حضر رئىسه الوزير جبران باسيل وعدد من النواب، لكن لم يظهر حضور شعبي بارز للتيار الوطني الحر.
حيث انت سيدنا البطرك، مع الابرار والقديسين، لا تغمض عينيك عن لبنان، ما زلنا بحاجة إليك.