تُشكّل رحلة البحث عن قانون انتخاب، معركةً جديدة يخوضها المكوّن المسيحي من أجل تحسين وضعيته في اللعبة الداخلية وعدم تخَطّيه أو تهميشه.
تكتسب هذه المعركة أهميّة كبرى، خصوصاً أنّها تسمح بالمشاركة في القرار، وقد عبَّر عن ذلك بصراحة رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل، من أوستراليا التي تضمّ أعداداً هائلة من اللبنانيين، إذ أكّد «أنّنا نريد الفوز بالغالبية النيابية من أجل الحصول على غالبية داخل مجلس الوزراء».
قد يكون هذا الأمر أحد أهمّ معالم المرحلة المقبلة، فالمكوّن المسيحي، وبعد تحالفِ «التيار الوطني الحرّ» و«القوّات اللبنانية» بات أقوى، لكنّ السلاح الأساسي في يده هو امتلاكه «التوقيع» الذي يَسمح له بـ«فركشة» ما لا يريده، أو التفاوض للحصول على حقوق إضافية أعطاه إيّاها «إتفاق الطائف».
وفي هذا الإطار، يؤكّد قياديون في «التيار» و»القوّات» أنّ لعبة شدِّ الحبال في قانون الانتخاب لم تنتهِ بعد، وعنصر القوّة هو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لا يتساهل في هذا الأمر ولا يوقّع كما يشاؤون.
ويَعتبر هؤلاء أنّ هذه المعركة هي أساسية في تحديد إطار النظام المقبل، فإذا نجَح المسيحيون في الحصول على قانون عادل، فإنّ العهد الرئاسي سيكمِل بقوّة، أمّا الفشل فيشكّل ضربةً له.
ومن أجل ذلك، تعتمد خطة المواجهة المسيحية بشكل أساسي على التناغم الكلّي بين «القوات» و»التيار» أوّلاً، وهذا ظهرَ من خلال رفضِ النسبية الكاملة التي يقاتل «حزب الله» وحركة «أمل» من أجلها، في وقتٍ أعلنَ رئيس الحكومة سعد الحريري أمس استعداده القبولَ بها، ما اعتُبر ضربة قوية للثنائي الشيعي من حليفه، «التيار الوطني الحر».
ونقطة القوّة الثانية، هي اعتماد المسيحيين على عدم ليونة عون، فهو لم ولن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على أساس قانون «الستين»، فيما يرتفع في المقابل سيفُ الفراغ في السلطة التشريعية مع تأكيد الكتلة الموالية لرئيس الجمهورية أنّها لن تقبل بالتمديد، حتّى التقني، في حال لم يتمّ الاتفاق على قانون جديد للانتخاب.
وتساعد وحدة الموقف المسيحي، أي رئاسة الجمهورية وبكركي والأحزاب المسيحية الكبرى، على تحسين شروط التفاوض، علماً أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أكّد للرئيس عون أنه يَدعمه في القانون لأنه لم يعد مسموحاً القبول بتهميش فئات كبيرة من المجتمع.
وبالتالي، فإنّ الفراغ التشريعي الذي يَلوح في الأفق، يدفع الجميعَ للبحث عن حلول للمأزق، لكنّ المفارقة أنّ الفراغ سيضرب الرئاسة الثانية إذا وقعَ، وهذه ستكون المرّة الأولى بعد «الطائف» التي يحصل فيها مِثل هذا الأمر.
وبذلك يكون الفراغ قد جالَ جولتَه على كلّ الرئاسات، خصوصاً بعد الفراغ في رئاسة الجمهورية لمرّتين، ومعاناة تأليف الحكومة، وبقاء البلاد أشهراً مع رئيس حكومة مكلّف غير قادر على التأليف، ورئيس حكومة تصريف أعمال.
ومن جهةٍ أخرى، تُمثّل ليونة تيار «المستقبل» في مناقشة الصيَغ الانتخابية المطروحة نقطةً يتعامل معها المكوّن المسيحي إيجاباً، خصوصاً أنّ الحريري حريص إلى أبعد حدود على عدم التصادم مع عون أو فتحِ مشكلة في مجلس الوزراء هو بغِنى عنها.
ويبقى السؤال، هل قبلَ تيار «المستقبل» بالنسبية الكاملة، ولماذا؟
قد يكون من أبرز أسباب الموافقة على النسبية، هو تخوُّف «المستقبل» من تكرار ظاهرة انتخابات طرابلس البلدية، ففي أسوأ الاحتمالات قد يخسَر في النسبية نحو 15 مقعداً ويحافظ على كتلة بحدود العشرين نائباً، وبما أنّه متحالف مع الجميع فإنّ عدد النوّاب ليس أساسياً لعودته إلى رئاسة الحكومة.
في المقابل، يرى البعض أنّ «المستقبل» أعلنَ إمكانية قبوله بالنسبية الكاملة بعد رفضِ «التيار» و«القوات» لها، وبذلك، يكون قد أوقعَ الخلافَ بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحرّ»، على غرار ما اعتبر البعض أنّه سعى إليه يوم رشَّح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية في محاولةٍ لإحداث شرخٍ بين عون و«حزب الله».
في النهاية، ستُظهر الأيام المقبلة ما إذا كان المكوّن المسيحي قادراً على فرطِ التركيبات والأمور التي لا تناسبه، أو إنه قادرٌ فعلاً على فرضِ رغباته.